لقد كان يحيط بالإمام موسى بن جعفر الكاظم الكثير من الحراس وهو في سجن هارون الرشيد، ليس لحمايته من المكروه أو خوفا ً عليه، بل من أجل مراقبته في سجنه خوفا ً منه ليبقى في ذلك السجن عقدين من السنين إلا قليل. أما الآن فلايبدو بأن الوضع قد تغير كثيرا ً، فحراس الحضرة الكاظمية مازالوا يحيطون بالضريح وهو ميت لحماية من الرذيلة كما يدعون، فهم يلعبون دور شرطي الأخلاق ولا يعلم أحد ماهي علاقتهم بالأخلاق من قريب أو بعيد.

بعد غياب طويل لعدد من السنين عن العراق، كانت الكاظمية بأسواقها المتفرعة وضريحها الجميل من الأماكن العزيزة على قلبي وذلك لكونها أحد الأماكن التي كنت أعمل بها متنقلا ً بين سوق وساحة وشارع. فعزمت على زيارتها برفقة زوجتي، فعلت ذلك ولكن الذي يبدو هو أنا كنا نزور بالفعل رجل مسجون يخاف حراسه من أن يهرب. فبعد التفتيش المتكرر لنا، بدأت شرطة الأخلاق تلاحقنا في كل صغيرة وكبيرة. على زوجتي أن تلبس العباءة لتدخل الضريح ليفرض عليها زي معين في الدخول، أما الخطوة الثانية فهي أن عليها أن تلبس الجوارب لتستر أقدامها التي تثير حفيظة البعض. أما في التفتيش النسائي فحدث ولاحرج، حيث الرقابة على أشدها من رمي علب المكياج الموجودة في الحقائب حتى التدقيق على أحمر الشفاه الذي لابد أن تزيله النساء من على شفاههن ليسمح لهن بالدخول. أما الطريقة في التعامل فهي من الفضاضة بمكان إذ تسمح للمفتشات بالصراخ على الزائرات ونصيحتهن وإرشادهن بطريقة سمجة للغاية وكأنهن أمهات المؤمنين. فهن يمارسن دور شرطي الفضيلة على باقي النساء ولايعرف أحد من أعطاهن هذا الحق وماهو مصدره القانوني والأخلاقي والشرعي.

لا أطيل عليكم، أنهينا الزيارة وجلسنا في الساحة بين السور الخارجي وأروقة الإيوان الداخلية. جاء أحد المسؤولين عن الخدمة أو أمن الضريح ألي طالبا ً الحديث معي بعيدا ً عن زوجتي. لقد كان أبيض الوجه ذي حمرة بعينين خضراويين، طويل القامة بعمر يناهز الثامنة والثلاثين. لقد سألني سؤال مثير للدهشة ودار بيننا هذا الحوار:

هل من تجلس معك الآن زوجتك؟ قلت بالطبع! قال: كم لكم من السنين متزوجين؟ قلت خمس سنين؟ قال: هل لكم أطفال؟ قلت ومادخلك أنت! قال إذن هي ليست زوجتك. قلت له إنها زوجتي! قال: هي زوجتك دائم أم منقطع؟ قلت له هل أنت شرطي؟ قال بل أكثر قوة من الشرطة نحن، وأقوى من أي سلطة حتى أن رئيس الوزراء يحسب لنا حساب ويزورنا بشكل مباشر لمكانتنا.

قلت له إن كنت شرطي سأذهب معك للتحقيق إن كنت متهما ً وإلا دعني وشأني. قال لابد أن أعرف وإلا سلمتك للحرس الوطني ليتأكدوا بأنفسهم من هويتك، وكأننا أطفال صغار. قلت له كلامك إستفزازي. قال هنا يأتي الشباب ليتواعدوا وهنا الكثير من المخطوفات تأتي. قلت وماشأني. وبعد مشادة كلامية دامت الربع ساعة تركنا هذا الشخص بحالنا بعد أن تجمع العديد من زملائه ممن يلبسون زيا ً أزرق اللون بقبعات وكأنهم رجال للأمن في زمن النظام السابق ببزاتهم السفاري وأسلوبهم الفض في التعامل مع الناس. جلسنا قليلا ً أنا وزوجتي في نفس المكان وخرجنا بعد أن تعكر مزاجينا ليذكرنا الحادث بأيام الرعب في زمن النظام السابق.

الكل يعرف أن الأوضاع في العراق صعبة، و(تايهة) على حد قول العراقيين، لكن أن يصل الأمر إلى أن تكون هناك دولة داخل دولة تمارس دور شرطة الأخلاق وحراس الفضيلة في زمن ندعي بإنه زمن الحرية والديمقراطية فهذا لايمكن السكوت عنه. لا أريد أن أدخل في تفاصيل المسوغ القانوني والأخلاقي والشرعي لهذه الأفعال، لأنه وببساطة لايوجد أي مسوغ لذلك، ولكن لماذا يمارس البعض على المجتمع دور الناصح والمرشد والمقوم لذلك المجتمع وهو منخور من الداخل تفر منه الأخلاق والفضيلة فرار الفريسة من السبع. والسؤال الأهم، هل نحن دولة ديمقراطية تسود قيمها على كل بقعة من بقاع العراق، بدون إستثناء، أم نحن دولة دينية نطبق فيها مبادئ الشريعة الإسلامية؟ هل هناك إستثناءات في تطبيق القوانين في العراق الجديد أم أن للبعض فضيلة وإمتياز بإسم الدين والمقدس الذي أفقر حالنا وأوصلنا لما نحن عليه الآن من فقر وجوع وتخلف.

لا أستطيع تفسير هذه الحالة إلا بإنها إستغلال واضح ومنظم للدين والمقدس لبسط مزيد من النفوذ على عباد الله وبالتالي مزيد من النفوذ السياسي الذي يجلب معه الشهرة والمال والسلطة وليس أقلها الوجه الحسن حيث تتساوى الأخلاق والفضيلة مع الرذيلة ممن يدعون بأنهم حراس وشرطة للأخلاق والفضيلة.


[email protected]