بعد أن أسدل الستار على الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة المصرية، وأظهرت النتائج الرسمية أن جولة الإعادة ستكون بين مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي والفريق أحمد شفيق، حصل ارتباك مصري كبير في أوساط شباب وأحزاب الثورة. فالأغلبية العظمى ترفض رفضا باتا عودة النظام القديم والذي يمثله أحمد شفيق، كما وتتوجس في الوقت عينه من حكم الإسلاميين.
الترجيحات بمعظمها تشير إلى أن الأقرب إلى كرسي الرئاسة هو محمد مرسي. بيد أن التساؤلات الكبرى تدور حول مدى قدرة الإخوان المسلمين على النهوض بمصر. وعليه، فإن تحديات كثيرة تقف عقبة كأداء في طريق حكم الإخوان. ولعل من أبرزها:
1- التحدي الاقتصادي: إن من أكبر القضايا التي تفرض نفسها على جدول أعمال الرئيس المقبل هي التنمية. لا سيما وأن البلد ومنذ اندلاع الثورة يعاني من انكماش اقتصادي حاد. إذ إن الصادرات انخفضت بشكل كبير، وانخفض الدخل، وكذلك العملة المصرية، والتصنيف الائتماني والبورصة؛ فيما ارتفعت نسبة الواردات، وتفاقم الدين من 34 مليار دولار إلى 36 مليار دولار. أما المصانع فأقفل أكثر من أربعة آلاف منها، فيما شلت السياحة بشكل شبه كامل.
هذا الوضع الاقتصادي المتردي سيزداد ndash; بحسب خبراء الاقتصاد- بشكل أكبر في حال فوز محمد مرسي. والسبب يعود إلى أن معظم رجال الأعمال والتجار يؤيدون أحمد شفيق وعمرو موسى. وبالتالي فإن المواجهة الاقتصادية ستبلغ ذروتها مع وصول الإسلاميين. وعليه، فمن المرجح أن يسحب معظم هؤلاء أموالهم من البلاد، وهو ما سيؤدي بطبيعة الحال إلى إنهاك مصر اقتصاديا وشل عجلتها الحياتية، وإغراقها في الديون، ويؤدي بالتالي إلى خسارة كثير من المصريين لوظائفهم ومصدر رزقهم.
الضائقة الاقتصادية ستؤدي إلى تذمر الناس، والشعور بأن شيئا ما لم يتغير. بل تردى الوضع أكثر فأكثر. فالفلاحون والعمال وسائقو التاكسي والبناؤون والغلابى لا يهمهم من يحكم بلادهم. المهم من يستطيع أن يؤمن لهم لقمة عيشهم، ويخفف عنهم فقرهم الذي يرزحون تحت وطأته منذ زمن بعيد.
وهنا سيجد الإخوان أنفسهم أمام خيارات صعبة، إما الاستدانة من الخارج وبالتالي اضطرارهم للرضوخ للمساعدات المشروطة، أو الاستنجاد بالتجار والخضوع لابتزازاهم، وتمرير صفقاتهم وغض الطرف عن فسادهم. أمام هذا الواقع، يصعب على الإخوان أن يقوموا بتنمية حقيقية في مصر.
2-أما في المجال الأمني، وبعد أن فشل الإخوان والعسكر في التوصل إلى تسوية بينهم، فإن المواجهة مستقبلا ستكون على أشدها. وسيعمل العسكريون -بخبرتهم الطويلة- على زعزعة الأمن والاستقرار، ونشر الفوضى والبلطجة، وقد شاهدنا هذه الأعمال في الفترة الانتقالية في أحداث ماسبيرو وبور سعيد وغيرها. ولعل رغبة الناس في عودة الأمن هي من الأسباب الرئيسة التي أدت إلى تقدم أحمد شفيق ونيله نسبة عالية من الأصوات.
في ظل سيناريوهات الفوضى، سيتمنى المواطنون المصريون العودة إلى نظام مبارك. حيث سيجدوا أن الأوضاع ازدادت تأزما، وأن زمن الثورة ليس أقل بؤسا من زمن الاستبداد. وأمام هذا المشهد فمن الصعب أن يتمكن الإخوان من القيام بتنمية حقيقية، بل ستكون الأولوية عندهم هي ترسيخ الأمن والاستقرار.
3-من الناحية السياسية، أعتقد أن ثمة فرصة كبيرة أمام الإخوان للقيام بتحالفات مع الأطياف الثورية الأخرى، يحدّوا بها من نفوذهم، وهيمنتهم على كل السلطات، ويبرهنوا فيها عن حسن نواياهم، وسعيهم للمشاركة. أما إن استمر الوضع على ما هو من استنكاف الكثيرين وخاصة اليساريين والقوميين والأقباط، فإن المشكلة ستتعاظم، وسيجد الإخوان أنفسهم مستقبلا، في مواجهة كل التيارات المصرية وليس فلول النظام السابق فقط.
4- معظم كوادر الإخوان ونوابهم يفتقدون للخبرة السياسية. ومصر كما هو معروف، من أهم الدول العربية، ومحط اهتمام العالم كله، نظرا لموقعها الاستراتيجي وخزانها البشري وقربها من فلسطين المحتلة.
5-من الناحية الثقافية: مما لا شك فيه أن النظام السابق ساهم في تشويه صورة الإسلاميين عموما والإخوان بشكل خاص. وبما أن الإخوان لم ينجحوا في الفترة الانتقالية في طمأنة المصريين، فإن وجودهم في السلطة وفي ظل التحديات القائمة سيصعب عليهم المهمة. فوجودهم في السلطة يختلف عما كان عليه الوضع خارجها. لأن خطاب المعارضة يهدف إلى التحشيد وإظهار التوجهات الأيديولوجية وليس هناك تبعات، أما الخطاب في السلطة فهو خطاب مسؤول، خطاب لكل أطياف الشعب، خطاب يهدف ليس إلى توضيح البرنامج، بل يبحث عن إمكانيات التطبيق للأفكار الإسلامية في ضوء الواقع والإمكانات المتاحة. وبما أن الإخوان يطرحون شعار quot;الإسلام هو الحلquot; فإنه من الصعب أن يتمكن الإخوان أمام المعطيات التي ذكرتها من تطبيق الشريعة على المجتمع المصري، المتنوع بتياراته وتوجهاته.
فمثل هذا الأمر لا يتم دون تهيئة الأرضية اللازمة، وإقناع الناس أن المشروع الإسلامي ليس نظام ثيوقراطيا ولا شموليا، وليس نظاما يضطهد الأقليات، أو يمنع المرأة من حقوقها.
وفي حال لم ينجح الإخوان في تطبيق الشريعة كما هو مرجح، فإن الخشية أن يفقد المناصرون الثقة بالقيادة. لأن حزب الإخوان سيصبح كأي حزب آخر يساري أو ليبرالي أو قومي، يلعب السياسة كغيره، يقتصر عمله -إن كان إصلاحيا- على محاربة الفساد، والقيام بالتنمية وصون الحريات؛ بعيدا عن الصبغة الأيديولوجية التي تميّزه.
في الختام، نرى أن التحديات التي تواجهها مصر، أكبر من إمكانات وقدرات أي جماعة. وعلى هذا، كان الأحرى بالإخوان المسلمين أن يسعوا للمشاركة مع غيرهم، ويدعموا أحد المرشحين، وأن لا يمسكوا بزمام السلطة في الوقت الراهن على الأقل.
*كاتب وباحث
التعليقات