حديث الكاتب للأسف ينم عن جهل واضح بالحقائق، ويعج بالمغالطات التاريخية، وكأن غايته ليست سوى أن يبرر بطريقة غاية في الفجاجة ماقام ويقوم به العلويون من كل الموبقات التي ذكرها في مقاله، وهو إذ يتطرق إلى الطائفية في سوريا ويؤكد أنها موجودة، لم يقدم شاهداً تاريخياً واحداً على ماذكر، أما إذا كان يساوي بين الأتراك (السنة) والغالبية السورية فهذا لعمري لايختلف كثيراً عمن يزن الأمور (بالشيلة) كما يقولون بالعامية، ويعطي دواء عاماً شافياً لجميع الأمراض.

حيث أن الأتراك، إبان حكمهم الذي دام اربعة قرون عجاف، لم يستثنوا أحداً من ظلمهم، ومارسوا القمع والقهر والتنكيل ضد جميع الطوائف السورية ومن ضمنهم العلويين. ومإإن تخلصت سوريا من الحكم العثماني البائد وبعد ذلك الإستعمار الفرنسي وإستقرت فيها الأوضاع نسبياً حتى ظهرت طلائع المفكرين العرب (وليس السنة فقط) ترفع شعارات قومية تعزز اللحمة الوطنية وتنادي بشعار الدين لله والوطن للجميع وتفسح المجال أمام جميع الطوائف والملل السورية للمشاركة في بناء الوطن السوري التليد، وهذا ما أتاح المجال أمام العلويين بصورة خاصة للإنخراط في المجتمع وتولي المناصب القيادية وغير القيادية، والمشاركة بصورة فعالة في بناء الجيش السوري.

أما بشأن إقامة دولة علوية في سوريا، فإني أتفق مع الكاتب تماماً بكون العلويون يشكلون طائفة متجانسة إجتماعياً وليس دينياً أو جغرافياً بالمعنى الحرفي للكلمة، لأن العلويين لايمارسون في حقيقة الأمر أي دين أو عبادات (وهذا ليس مأخذاً عليهم)، ثم أنهم لايشكلون من منطقة الساحل التي هي موطنهم على حد قول الكاتب سوى نسبة ضئيلة جداً ومن منا لايعلم (إلا الجاهل بالديمغرافيا السورية) أن مدينتي اللاذقية وطرطوس هما مدينتين يشكل السنيون فيهما الغالبية العظمى من السكان، بينما لايقيم العلويون سوى في المناطق الجبلية الداخلية التي تبعد بمسافة غير قليلة عن الشريط الساحلي السوري.

فهل سيقومون بطرد أهالي اللاذقية وطرطوس إلى الداخل ليحلوا مكانهم ويؤسسوا دولتهم العلوية (المتجانسة)؟

أما تجربة حكمهم للمجتمع والدول فهي للأسف تجربة فاشلة بإمتياز، إذ أن العلويون لم يستطيعوا أن يقيموا دولة بالمعنى الحقيقي للكلمة رغم بقائهم في الحكم لمدة زادت على أربعة عقود، وكل ما إستطاعوا القيام به هو المحافظة على أشكال الدولة التي كانت قائمة قبل حكمهم وإفراغها الدولة من مضمونها. وإذا كانوا قد أنشأوا شبكة علاقات ومصالح دولية على مدار تلك الفترة، فعلاقاتهم ومصالحهم إقتصرت على أشخاص وليس دول وحكومات، وهل الموارد الهائلة التي يملكونها تشمل كل أفراد الطائفة العلوية، أمبضعة أشخاص كانوا ولازالوا من عظام الرقبة وإستطاعوا بحكم قرابتهم من العائلة الأسدية الوصول إلى الثراء الفاحش بطرق لايجهلها أحد، بينما بقيت الغالبية الساحقة من أبناء الطائفة العلوية تعيش حالة من العوز والكفاف، ينتظرون آخر الشهر لكي يتسلموا مرتبهم الشهري (الإعانة) الذي لايكاد يسد الرمق.

أما هذا الجيش القوي والتسليح الحديث الذي يمتلكون على حد قول الكاتب، فهو جيش لايقوى إلا على العزل من السلاح ولايملك أن يرمي طلقة واحدة على أي عدو خارجي محتمل، والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى، ثم من أين لهذا الجيش أن يشتري الذخيرة الباهظة الثمن إلا من السياحة التي تأتي وارداتها من الشريط الساحلي المنتظر، بيضة القبان للدولة العلوية المقبلة على رأي الكاتب.

وإذا أردنا أن نتطرق إلى القيم المجتمعية التي يمتلكها العلويون كحرية الفرد وحقه في الإستمتاع بالحياة العصرية، فلماذا لم يطبقوا هذه القيم ويعطوا هذه الحقوق إلى المجتمع طيلة أربع عقود، هل لأن السوريين لايحبون الحياة العصرية ولايقدرون حرية الفرد وبالتالي (ما يستاهلون).

أما بشأن سؤالك: هل هناك قوى إقليمية أو دولية ترفض إقامة مثل هذه الدولة؟ فالأصح أن تسأل: هل هناك قوى إقليمية أو دولية تقبل إقامة هكذا دولة لاتملك أي مقومات كالتي ذكرتها في مقالك؟ أنا لاأضع اللوم طبعاً على ابناء الطائفة العلوية، بل كل اللوم والعتب على كبارها وأعيانها الذي غذوا هذا الكره والحقد التاريخي الأعمى تجاه إخوانهم في الطوائف السورية الأخرى، بدل أن يحاولوا رأب الصدع (هذا إن وجد صدع بالأساس) ودمج العلويين في نسيج المجتمع السوري بعد أن مد السنيون لهم يد التآخي والتعايش وحاولوا صهرهم في بوتقة المجتمع الواحد الموحد ولكن دون جدوى.