منذ أول اجتماع لقوى ( اربيل- النجف) والشعب العراقي ينتظر حلا جذريا للازمة السياسية الخانقة التي أصابه مرافق الدولة والحكم بشلل شبه كامل، فبين شد المعارضة وجذب السلطة تستمر معاناة المواطن المغلوب على أمره من تردي الوضع الأمني وندرة الخدمات الأساسية والوضع الاقتصادي الكسيح، فهناك قرابة ستة ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر في دولة يبلغ معدل دخلها القومي السنوي أكثر من مائة مليار دولار.
ماسبق يثير أكثر من تساؤل حول مدى جدية المعارضة من جهة، وصحة الحرص السلطوي المزعوم على مستقبل البلاد ووحدته من جهة أخرى، وأيضا يثير الشكوك على نطاق واسع حول قابلية وقدرة الساسة العراقيين على وضع الحلول المناسبة للخروج من الأزمة المستعصية التي طال أمدها، بشكل يتفق مع مصالح المواطنين الحيويه ومستقبل المشروع الديموقراطي في البلاد، هذه الشكوك التي لابد وان تترجم على شكل مواقف صارمة تجاه هؤلاء الساسة في أية انتخابات مقبله، هذا إذا كانت هناك انتخابات مقبله في ضل الأوضاع السياسية الخطيرة التي يمر بها العراق.
المعارضة التي اختصرت كل برامجها لإصلاح العملية السياسية في موضوع استجواب رئيس مجلس الوزراء وسحب الثقة عن حكومته، تراوح في مكانها منذ أن اتخذت هذا القرار فمن جهة تصدر التصريحات المتعارضة من قياداتها والناطقين باسمها ومن جهة أخرى تبدو وكأنها تقوم بتخدير المواطن بجرعات من الأمل بالتغييرات المرتقبة، اليوم اتخذ القرار وبعده تم تكليف لجنة بالاستعداد للاستجواب ومن ثم ينسحب طرف من المشاركة في اللجنة المتفق عليها وبعدها تعود نغمة الاستعدادات جارية على قدم وساق لفقرات الاستجواب وأيضا سيكون الاستجواب خلال أسبوع وأخر يقول خلال أسبوعين وثالث يقول إننا ماضون قدما والاستجواب قريب وخلال كل هذا من يقول نحن ننتظر مقترح السلطة للإصلاحات وسنقوم بدراستها وهلم جرا.
اما تحالف السلطة فاليوم اجتماع وغدا الاتفاق على جدول أعمال الاجتماع وبعدها دراسة الإصلاحات ومن ثم اختيار لجنة عرض الإصلاحات والتفاوض عليها مع بقية القوى ودراسة الأوراق المقدمة إلى التحالف الوطني وأخيرا لا آخرا بأنها ستشمل كذا وكذا وسيتم عرضها على الآخرين وستكون هناك لجان لدراستها وأخرى للموافقة عليها والقصة لا تنتهي فهناك إصلاحات فوريه وأخرى مرتبطة بسقوف زمنية وأخرى غير قابله للتنفيذ وتحتاج إلى عقود وسنوات طويلة وهكذا يبدو المشهد السياسي وكأن قوى ( اربيل ndash; النجف ) والسلطة ( التحالف الوطني ) متفقان ضمنيا على تمييع القضية وتمديد أمد معاناة المواطن وفتح الأبواب أمام مختلف التدخلات الأجنبية الإقليمية منها والدولية لتدلوا بدلوها سلبا وايجابا حسب مصالح هذه الجهات.
في هذا الهرج والمرج والتمييع والتصعيد والتنقل بين الأزمات وخلق المزيد منها، يبرز نجم دونكيشوتات الفضائيات وتصريحاتهم النارية وتشتد المنافسة في بازار التملق والرياء والنفاق، فهذا الذي يدعو إلى استنساخ المالكي كي تشمل بركاته الأجيال القادمة وآخر يهدد بالكشف عن المستور وكأن الموضوع هو معركة بين اللصوص وليس بين ناس حريصين على مستقبل شعبهم والمفروض أن يكشفوا كل مستور سيء ولا تنتهي القضية بمن يطالب بانتخابات مبكرة وهو يعلم علم اليقين بأنها غير ممكنه فلا قانون للأحزاب ولا هيئة وطنية متفق عليها للانتخابات ولا حتى قانون لها.
الغريب في كل ماسبق أن المعارضة ( قوى اربيل ndash; النجف ) لاتزال تمني النفس وتحلم بأنه من الممكن أن يقوم السيد رئيس مجلس الوزراء بالإصلاحات المطلوبة وتنفيذ التعهدات التي سبق وان وقع عليها، رغم تجربتهم المريرة مع دولة الرئيس المعصوم ووعوده المعروفة خلال فترة تشكيل الحكومة والسنوات الستة التي قضاها في السلطة، وهو اليوم أيضا مصر على نهجه ومواقفه وعليه كيف يمكن أن يقوم بين ليلة وضحاها بالإصلاحات خاصة وهو في السلطة ومدعوم من الجهات الإقليمية والدولية التي اختارته أساسا.
أين هو المنطق في اجتماع وطني للحوار ( حاليا ) أو في مائدة مستديرة بعد أن استنفذت المعارضة كل جهودها في عشرات الاجتماعات واللقاءات واللجان المشتركة وحصلت على عشرات الوعود والاتفاق على العديد من النقاط ولم ينفذ أيا منها إطلاقا.
إن لسان حال المواطن العراقي يقول : إما أن تلجأ المعارضة إلى الخطوات الدستورية لتنفيذ قرارها القاضي بالاستجواب ومن ثم سحب الثقة من الحكومة الحالية التي ثبت فشلها وتفردها بالسلطة وإغراق البلاد في دوامة من الأزمات المتلاحقة، وإما أن تنسحب من الحكومة وتعلن عن نفسها معارضة برلمانية تمارس دورها في مواجهة السلطة وممارساتها.
إن عدم حسم معارضة قوى ( اربيل ndash; النجف ) موضوع الأزمة السياسية الراهنة، سيكلفها التشكيك في مصداقيتها لدى الشارع العراقي وسيمنح السلطة ودولة رئيس مجلس الوزراء مزيدا من الوقت الذي هو بأمس الحاجة له، ويعمل جاهدا لكسبه من خلال ما يسمى بورقة الإصلاحات، هذا في الوقت الذي تستمر فيه معاناة المواطن وتزداد المخاوف من إغراق البلاد في سلسلة من الأزمات الحادة والتي ربما يكون الهجوم على إقليم كوردستان، كما صرح أحد أعضاء البرلمان، في مقدمتها لجر البلاد إلى الحرب الأهلية والتقسيم الذي سيكون حينذاك تحصيل حاصل.
إن على قوى ( اربيل ndash; النجف ) أن تتخلص أخيرا من سيطرة هذا الوهم الذي يزعم الإصلاحات، فمن غير الممكن أن يقوم بالإصلاح من يمارس عمليا عكسه.
bull;كاتب عراقي
bull;[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات