لا يزال الحراك الكردي يغوص في مفاهيم الاستجداء والطلب، وهي البنية الثقافية - السياسية التي فرضت عليها على مدى نصف قرن من التهميش والإملاءات القسرية من سلطة شمولية. يحضرون مؤتمرات قوى المعارضة بالمدارك نفسها، ويجابهون مجموعات عروبية غارقة في ثقافة البعث، متغلغلة في ثنايا المعارضة الخارجية، الذين تغيب عن مداركهم غاية بناء سوريا القادمة كوطن كلي عند مواجهة مطالب الشعب الكردي، وبغيابها يصبح مبدأ النقاش على بناء الوطن الكلي مهترئاً مغلفاً بالخدع السياسية بين الجهتين.
اختزل المنطق الدبلوماسي والتعامل السياسي في معظم مؤتمرات المعارضة السورية، والأسباب واضحة للجميع، لا داعي لتكرارها هنا. تاهت المعارضة السورية بمعظم تياراتها الخارجية في ضحالة الأخطاء العديدة، والتي من نتائجها استمرارية السلطة الحالية حتى اليوم، ونحن لسنا بصدد تلك الأخطاء، بل نبحث عن التعامل الخاطئ للمعارضة الكردية السياسية، والتي تسمح للقوى العروبية بتياريها البعثي والإسلام السياسي في المجلس الوطني السوري، مثلما تعاملوا مع السلطة الشمولية الحالية، فيسمحون للقوى المعارضة الأخرى بالتظاهر وكأن الوطن السوري ملك يمينهم، وهم ضيوف على ساحاتها وليسوا أصحابها. منطق لا بد من إزالته، فللكرد حصة في هذا الوطن وهم شركاء في بناء النظام القادم وتكوينه.
تبين بشكل واضح، من خلال الحوار الأخير في مؤتمر القاهرة، على أنه هناك هشاشة في الخبرة واسلوب التعامل الدبلوماسي والمحاورات الدولية أو الوطنية عند الحركة السياسية الكردية السورية، حتى ولو كان المقابل عنصرياً بالفطرة أو متشبعاً من الثقافة العدمية، ستحتاج الثورة إلى عهود لإزالتها من المجتمع السوري، يتطلب من الأحزاب الكردية التحلي بالحكمة والتروي في التعامل والتفاوض، وأمتلاك القدرة على تبيان الأخر مذنباً أمام مطالب شعب عانى من الويلات على مدى عقود، وإبقاء الأبواب مفتوحة، خاصة وأن السلطة الشمولية لا تزال تعبث بالوطن، وتستفحل الخلافات، ولا يستبعد من وجود إملاءات لها على البعض الذين يظهرون هذا العناد الفكري ضمن المعارضة العربية.
ظهر من خلال كل هذه المؤتمرات، أن المعارضة الكردية لا تملك أية معلومات مسبقة عن البيانات الختامية أو عن الوثائق الوطنية إلا عن طريق الإعلام، أو في اللحظات الأخيرة قبل إنعقاد الجلسات الختامية، ولا يملكون أي رأي مسبق عنها لتحليلها وشرحها ونقد الجوانب السلبية فيها، ولا تردعهم هذا التهميش من الركض إلى أول طائرة متجهة إلى حيث الدعوة، والتكالب على قاعات المؤتمرات. المطلوب منهم قبل هذه الخطوات، النقاش مع جميع الأطراف لتعديل المطروح قبل حضور المؤتمر، والذي يجب أن يكون الإجتماع فيه نقطة النهاية في النقاشات والتداولات، وأن تكون الجلسة للتوقيع، وليست قاعة للنقاشات.
حان للكرد أن يقتنعوا انهم لا يمكن أن يبحثوا ويتناقشوا على مواضيع مهمة وحساسة ومثارة منذ أكثر من نصف قرن، ويحللوا قضايا الخلاف على، الشعب أوالقومية، اللامركزية الإدارية quot; كما تطرحها المعارضة والسلطة معاً quot; أوالنظام الفيدرالي لسوريا القادمة خلال ساعات وفي يومين، والذين يدعونهم إلى المؤتمرات وعلى هذه الخلفيات وبهذه الطريقة يخفون غايات غير نزيهة بالمطلق، والخطأ الكردي الوطني يكمن في:
1 ndash; الكرد ليس لهم اطلاع مسبق على مسودة البيان الختامي.
2 ndash; يذهبون دون تحضير مسبق جمعي، وكل ما يبحث يكون بين عدد قليل من الأشخاص، وهؤلاء ليس لهم قدرة على التحدث باسم الجميع، فلم يكتبوا مسبقاً أية صيغة نهائية من طرف الحراك الكردي وبالمنطق الكردي والتي يجب أن تطرح فيها كل القضايا التي تهم الكرد، يوضحون فيه عقدة الخلاف بين الكرد والقوى المعارضة العروبية.
3 ndash; يجب عدم الحضور إذا لم يكونوا من مشاركي كتابة وصياغة البيان الختامي مسبقاً، وليس لهم أطلاع على مضمونه ومعرفة مخططيها وكاتبيها، مخالفاً لهذا، سيكون ردود الفعل كما شاهدناه، المهزلة السياسية والدبلوماسية أمام البشرية والإعلام العالمي.
4 ndash; من الخطأ الفاضح، رغم العلات التي ترافق الذهاب، تهيئة الوفد على نفسية الإنسحاب المسبق في حال عدم ظهور المطلوب في الوثيقة، فهو منطق خارج العلاقات الدبلوماسية والسياسية وأثبات على أنهم ضيوف على المؤتمر، حاضرون للإستماع، بالموافقة أو الرفض، باقون أو خارجون، فهم ليسوا أصحاب القضية الوطنية التي يتمسك الاخرون بها، وهنا نتحدث عن المدارك الدبلوماسية العالمية وآراء المجتمع الدولي حول ثقافة الكرد الدبلوماسية والتعامل السياسي.
5 ndash; عند الحضور، عليهم أن يظهروا منطقين في التعامل، أثناء إنتظار ما سيخرج من خلف الستارة:
-على أنهم أصحاب الوطن، مثلهم مثل الذين كتبوا الصيغة النهائية أو المسودة، لذلك يحق لهم كتابة مسودة منافسة وعرضها على القوى التي عارضت الأولى، وتبيان ذاتهم كمعارضة حقيقية رافضة للمطروحة التي لا تعكس مفاهيم الثورة السورية.
-البقاء في قاعة المؤتمر والاستمرار في المعارضة داخل القاعة، بالسكوت وعدم التصويت، ورفض الوثيقة، وابراز البيان الختامي الخاص والطلب من الآخرين الموافقة على بيانهم، تقديم طلب لتمديد المؤتمر أو عقد مؤتمر آخر لتقريب وجهات النظر، أي أن لا يترك الدار للمفسدين والإنتهازيين والعنصريين الذين يبحثون عن تغيير السلطة وليس النظام، أغلب هؤلاء هم طلاب مصالح آنية ولا علاقة لهم بالثورة. ومن ثم اصدار بيان عام حول اسباب رفضهم للبيان الختامي أو الوثيقة الوطنية.
الكرد هم أصحاب الثورة الذين بنوا المعارضة الأساسية وهم بنيانها منذ نصف قرن، ويجب أن لا يسمحوا للأخرين بالسير في المقدمة، وقيادتهم، وسرقة الثورة والتجارة بدماء الشهداء، وكأنهم أصحابها والكرد ضيوف على سوريا وعلى المعارضة.
أخطأت القوى الكردية قومياً وذاتياً، في عدة نقاط:
1 ndash; الذهاب إلى مؤتمرات المعارضة وخاصة الأخيرة مؤتمر القاهرة، بدون قوة موحدة، رغم الوقوع مسبقاً في الهوة نفسها عدة مرات وفي عدة مؤتمرات سابقة مشابهة.
2- الحضور بدون وثيقة quot; وطنية سورية ndash; قومية كردية quot; كمسودة على الأقل، تقدم للحضور يبينون فيها مطالبهم بشكل واضح ومحدد.
3 ndash; عدم أتفاق اطراف الحركة السياسية حتى اللحظة على الوثيقة التي نحن بصددها، يوضحون فيها مطالبهم لسوريا المستقبل، وهنا فالخطأ الأكبر تقع على عاتق الحراك الكردي بكليته، وبدون أستثناء أحد.
4 ndash; تهميش الكردي للكردي، حزباً أو اشخاصاً مستقلين معروفين على الساحة السياسية، وخاصة للحركات الشبابية. لا يزال ينخر في نفسية اغلب قادة الحراك الكردي، الأنا الأنانية، والتعصب الحزبي قبل الوطني، والتي تعكس بشكل واضح على تعامل قوى الحراك بين بعضها، ومن منطلق من الأقوى، أو من يمثل الكرد، يصل التهميش أحياناً إلى حالات التخوين!. وللأسف، فلو تركت مسودة البيان الختامي أو الوثيقة الوطنية أو حتى الخاصة بالشعب الكردي، للأحزاب الكردية بالبحث فيها والخروج بمسودة نهائية متفقة، لحدث اختلاف افظع من الاختلاف الذي حدث بين هذه القوى والقوى البعثية العروبية ضمن المعارضة العربية إن كانوا في المجلس الوطني السوري أو هيئة التنسيق الوطنية الغارقة في وجهات نظر البعثيين!
الكرد يسيرون في متاهات التشتت والضياع والحيرة والشك وعدم الثقة وعدم وضوح الرؤية، قبل السفر، وعند الوصول، واثناء النقاش على البيان الختامي، أو أي بيان، فلهم رأي مسبق بالنفي نحوه لأنهم يحملون القناعة على أن الوثيقة سوف لن تخرج بالمطلوب، والأهم أغلبهم يطرحون أراء وأملاءات مسبقة خارج جغرافية غربي كردستان.
عدم وجود القناعة المسبقة والإيمان بالمطلب القومي على صيغة موحدة، يؤدي حتماً إلى تهميش من الأخرين، الذين يدركون الوجود المفكك للكرد في القاعة.
الخطأ يكمن في الحراك الكردي قبل أن يكون في القوى المعارضة البعثية العروبية سابقاً أو في تيارات الإسلام السياسي، علة قلة الخبرة الدبلوماسية والإطلاع على مفاهيم أروقة السياسة العالمية، الأسباب عديدة لسنا بصددها، هي التي تجرف بالحركة الكردية إلى الأخطاء المتكررة ومتاهات الفشل وراء الفشل.
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات