ليس بغريب على شخص جلال طالباني رئيس جمهورية العراق ان يبعث ببرقية عزاء الى شقيقة طاغية سوريا للاعراب عن اسفه بمقتل احد كبار الاجرام والقتل في نظام دمشق، لانه لحد الان لم يسمع منه اي تصريح رسمي لتأييد ثورة الربيع السوري، واتصاله بالرئيس المصري السابق حسني مبارك قبل رحيله كان مبعث احتجاج لدى الكثير من المثقفين الكرد في العراق. واليوم تأتي برقية العزاء للطالباني للنظام السوري المترنح للسقوط بمثابة وخزة خجل في الموقف العراقي والكردستاني تجاه الثورة السورية، ويا ليت لو ابدى طالباني بعض الصبر لحين ايضاح الصورة في المشهد الشامي، ولكنه بعجالة غير معهودة وفي ظرف لم نسمع باي رئيس او زعيم في العالم قد ارسل برقية عزاء الى رئيس النظام السوري نجد الرئيس العراقي يبادر الى ارسال برقية عزاء الى نظام مكروه ومرفوض من قبل أغلب الشعوب ومن قبل المجتمع الدولي، ليسجل بادرة غير طيبة وصفحة سوداء في حياته السياسي. ولا شك ان المواقف السياسية للطالباني يشوبه الكثير من الغموض والمفارقات الغريبة والمتناقضة في الحالتين الكردستانية والعراقية، ومن ابرزها تسليم امور قيادة اقليم كردستان الى مسعود البرزاني رئيس الاقليم على حساب الحضور السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، ودفع القياديين نوشيروان مصطفى وكوسرت رسول الى مآزق سياسية كبيرة لابعادهما عن قيادة الاتحاد وبقاء سلطة الحزب تحت ملكيته وامرة عائلته، وبهذين العملين وفر طالباني الاجواء وبحرية تامة للبرزاني وافراد عائلته للتحكم المطلق باربيل ودهوك، ولافراد عائلته للتحكم بالسليمانية، ومع اقامة امبراطويات عملاقة للفساد والاستيلاء على الممتلكات العامة واحتكار العقارات والتجارة العامة للاقليم، ومع التمتع بكل سطوة مالية وسلطوية لاحتكار واستغلال مطلق للنفط ومواردها، وأغلب الموارد الاقتصادية والتجارية، وعلى حساب الشعب الكردستاني. اما في الحالة العراقية فقد ضحى الطالباني مع البرزاني بالمطالب الكردستانية بخصوص كركوك والمناطق المتنازع عليها وبقية القضايا العالقة، من اجل تحقيق حلمه برئاسة العراق ومن أجل تحقيق مكاسب نفطية وتجارية واقتصادية لصالح افراد مجموعة حاكمة في الاقليم تتاجر بمصير وحقوق الشعب الكردستاني، والخلافات المزمنة والقائمة طوال سنوات بين اربيل وبغداد دليل على ان الطرف الكردي لا يقوم بمهامه في العاصمة الاتحادية لتحقيق المطالب وحل المشاكل العالقة وذلك لانشغاله بغير مهامه الوطنية. وفوق هذا ومن خلال قراءة المسيرة السياسية للرئيس طالباني يبدو انه خلال سنوات نضاله كان يحلم بالزعامة وبمشروعه العراقي اكثر مما كان يحلم بمشروعه الكردستاني، ليكون في قمة هرم السلطة في بغداد، ولا ينكر انه تمكن من تحقيق مشروعه ليحقق حلمه في رئاسة الدولة العراقية المريضة وبولايتين رئاسيتين في عهد ما بعد سقوط صنم الاستبداد سنة الفين وثلاثة، ولكن لا يمكن انكار ان هذا المكسب الشخصي والاناني للرئيس طالباني قد تحقق على حساب تضحية طرفين اساسيين هما الكرد وحزبه الاتحاد الوطني وقد دفعا تضحيات جسيمة من أجل تحقيق هذا الحلم المتسم بأنانية مطلقة. وهنا لابد أن نبين ان الموقف الرسمي للعراق تجاه الثورة السورية فيه خجل كبير تجاه الشعب الثائر، وهذا الموقف لا يخدم مصالح العراقيين ولا ينفع حاضر ومستقبل العلاقة بين بغداد ودمشق، ولا يخدم المصالح العليا للدولة لان المنطقة برمتها معرضة الى تغيير سياسي، والنظام السوري آيل للسقوط في مستقبل قريب ومهما طال منه العنف ومهما توفر له من دعم سياسي وعسكري من قبل روسيا الانتهازية والصين المنتفخة ماليا، ويبدو ان موقف الرئيس طالباني هو امتداد لموقف العراق الرسمي الموجه بتوجيهات وضغوطات النظام الايراني. ورغم ان التحليلات لأحداث المنطقة تشير الى ان ايران والاحزاب العراقية الموالية لطهران هي التي تقف وراء هذا الموقف الرسمي لبغداد لأسباب ايرانية ومذهبية، الا ان عهود الظلم والقمع والحرمان والابادة والاستبداد والطغيان التي مر بها العراقييون في ظل حكم النظام المباد، تحرم على اي مسؤول في السلطة ان يقف مع الاستبداد وان يقف ضد تحرر الشعوب المحبة للحرية والديمقراطية والسلام، والثورة السورية مثل صارخ ضد استبداد نظام فاشي ونموذج حي لشعب ناهض لنيل حرية الانسان وكرامته. المهم في الأمر، يبدو ان موقف الرئيس طالباني والحكومة العراقية برئيسها نوري المالكي تجاه الوضع في سوريا ما زال على حاله، وبالرغم من الخجل الكبير للعراق المحرج سياسيا، الا ان التطورات الأخيرة في المشهد الشوري وتقدم الثوار الى داخل العاصمة دمشق ونقل المعركة اليها، واغتيال اعداد كبيرة من القيادات الامنية المستبدة للنظام البعثي السوري، يفتح باب الأمل لتغيير الموقف السياسي للعراق ومن باب المنظور الانساني ايضا بسبب آلة القتل التي يستخدمها نظام دمشق لهدر دماء السوريين وفي وضح النهار وامام مرأى من المجتمع الدولي الصامت، وتعويضا عن الموقف السلبي للحكومة العراقية تجاه الثورة السورية يمكن تقديم كل العون السياسي والعسكري والانساني للسوريين الثائرين وللمدنيين وباشكال مختلفة وعلى مستويات رسمية وشعبية، ولا شك في حال اتخاذ هذا الموقف من قبل الحكومة فان العراق سيسجل بادرة تاريخية لنصرة شعب مظلوم غدر به نظام الحكم والمجتمع الدولي والقوى الكبرى مثل روسيا والصين. ومن خلال قراءة الاحداث يتبين ضرورة تغيير الموقف العراقي في ظل الواقع الراهن، وهذا الامر بات مسألة في غاية الاهمية السياسية، وفي حال بقاء الموقف الرسمي على حاله فان هذا الأمر سيجلب اضرارا كبيرة للعراقيين، وما تشهده الساحة السورية من مضايقات للعراقيين نتيجة طبيعية للموقف السلبي للحكومة العراقية. ولا شك ان موقف الطالباني من ثورة سوريا سيسجل كنقطة سوداء في تاريح سجله السياسي كما سجل للمالكي من قبل، خاصة وان الموقف بعيد عن التعقل والتوازن، وستكون له نتائج مضرة ان لم تساق الامور والمواقف بالتعقل والحكمة، ولا ندري لماذا ابدى طالباني هذا الموقف المتسم بخجل شديد، ومن هذا الموقع لا بد ان نوجه له هذا السؤال: لماذا أخجلتنا ببرقيتك يا سيدي الرئيس جلال طالباني ؟ وفي الختام، ومن الحكمة ان نقول، ان المشهد السياسي الكردي لابد من ابعاده من تأثيرات المشهد العراقي الذي يتحكم به ايران والاحزاب الموالية لطهران، ونأمل أن يقرأ لموقف الرئيس طالباني قراءة عراقية اكثر مما يقرأ عنه قراءة كردية، وحسب تماسي مع الواقع الكردستاني لم اجد كرديا لم يتعاطف مع الشعب السوري ومع ثورته، ومع ثورات الربيع العربي، ولم أجد كرديا تعاطف مع النظام المستبد في دمشق، ومن يريد ان يتحقق من موقف الكرد تجاه السوريين بعيدا عن البرقية المخجلة للرئيس جلال طالباني، ليأتي الى اقليم كردستان وليرى بأم عينيه كيف ان الكرد يعشقون انكسار قيود الانظمة المستبدة على الشعوب المناضلة لنيل حريتها وكرامتها، وخاصة ثورة الشعب السوري. وسيرى ان الكرد يحلمون بيوم ليس ببعيد لكسر قيود الامبراطوريات القائمة في كردستان والتي تتحكم بموارد الكردستانيين جورا وظلما وفسادا، ومن هول فسادهم جعلوا من الاقليم وطنا وشعبا بلا ارض، فغول السلطة الحاكمة الفاسدة جعل من اجيال الحاضر لا تملك أرضا، وجعل من الاجيال اللاحقة ان تولد في وطن بلا أرض. كاتب صحفي ndash; كردستان العراق
وخير ما نختم به ابيات شاعر تونس الكبير ابو القاسم الشابي:
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات