أن موقف الحكومة العراقية، ولا أقول الشعب العراقي، من عدم إستقبال اللاجئين السوريين موقف غريب كل الغرابة وبعيد كل البعد عن روح المبادئ الإنسانية فضلا ً عن الأخلاق السياسية. لا أريد أن أذكر بمواقف الشعب السوري، ولا أقول الحكومة السورية، على إستضافتها المهجرين العراقيين، حتى وأن كان فيهم من المجرمين والقتلة من النظام السابق، أو موقف السوريين من أكثر رجال الطبقة السياسية الحاكمة في العراق، وأولهم رئيس الوزراء، في زمن كان يعدم الإنسان فيه على الحلم أو وشاية من أخ أو ثرثرة لطفل صغير. ولكن، علينا تذكير الحكومة العراقية بالمبادئ الإنسانية التي توجب مد يد العون لمن يحتاج المساعدة بغض النظر عن الموقف السياسي.

أن موقف الحكومة العراقية، فضلا ً من كونه موقفا ً غريبا ً فهو لايمت إلى الأخلاق السياسية بصلة. نعم، من المعروف أن السياسة لا أخلاق لها فهي تدور على محور المصالح، ولكن، حتى هذه المصالح تغلف بقيم ومواقف أخلاقية ليتم تبريرها. أن ذلك الموقف الغريب لم يدع مجالا ً حتى للتبرير الأخلاقي أن يكون جسرا ً للحفاظ على المصلحة الوطنية، فهو موقف فظ أي فظاظة.

نعم، يمكن فهم موقف الحكومة العراقية تجاه مايحدث في سوريا وتخوفها مما سيحدث بعد سقوط نظام الأسد، فيمكن للوضع هناك أن ينعكس سلبا ً على الوضع في العراق بعد أن عانى العراق من الأرهاب الذي كان مصدره سوريا، بشهادة السفير السوري المنشق، بالخصوص إذا آلت الأمور أن يمسك زمام الأمور من المتشددين الأسلاميين في سوريا بعد رحيل نظام الأسد. لكن، ومن جهة أخرى لايمكن تفهم تخوف الحكومة العراقية من نازحين مدنيين لاناقة لهم ولاجمل في كل هذا، وماهم إلا ضحايا حرب طاحنة بين نظام دكتاتوري ظالم وشعب يبحث عن الحرية، وأن ركب الموجة ممن له مآرب أخرى بأجندات أقليمية أو ممن يحمل فكرا ً أصوليا ً متشددا ً يريد أن يلغي الآخر. فيمكن للحكومة العراقية أن تعزل النازحين في مخيمات بشكل مؤقت لحين تدبير أمرهم إن كانت تخاف منهم، وبذلك تساعدهم وهذا يحدث حتى في أرقى بلدان العالم كأستراليا، فإعطاء القليل خير من الحرمان.

أن الغريب في الأمر هو أن الحكومة العراقية تبرر شيئا ً بعدم إستقرار الأمن، بالرغم من دعواتها المتكررة بأن الأمن قد أستتب في العراق، بل هي تذهب أبعد من ذلك بدعوتها اللاجئين العراقيين من العودة للعراق مرة أخرى. أن هذا الموقف اللامبدئي سيكون بداية سيئة لعلاقات جديدة بين الحكومة العراقية وممن سيمسك زمام الأمور بعد رحيل الأسد، وسيكون عرفا ً غير جيدا ً ومشؤوما ً على طبيعة العلاقات المستقبلية بين البلدين الجارين.

على الحكومة العراقية أن تفصل بين المواقف السياسية التي يمكن أن تتغير بين الليلة وضحاها وبين المبادئ الإنسانية التي لايمكن أن تتغير، وعليها أن تعيد النظر بموقفها هذا. نتمنى أن يكون هذا التصريح أو الخبر الذي تناقلته وسائل الأعلام المختلفة يمثل وجه نظر شخصية لممثل الحكومة العراقية وليس وجه نظر للحكومة العراقية، بالخصوص أن لايوجد هناك تأكيد أو نفي من قبل طرف آخر للحكومة العراقية، ولكنه في الأخير لايمثل وجهة نظر الشعب العراقي.