بعد أن كان السؤال quot;سوريا إلى أينquot;؟ بات الآن (سوريا إلى متى)؟؟
فقد توضحت إجابة السؤال (إلى أين)؟ وهي حرب أهلية بمالا يقبل الشك. حيث يتم الدفع بهذا الاتجاه من قبل أطراف مستفيدة من هذا التوصيف وهذه الحالة. وكي تصبح الحرب الأهلية حقيقة واقعة، فلابد أن تتوفر شروطها، وهي طرفين شعبيين أو انقسام مجتمعي، كل طرف فيه منشغل بهاجس الحفاظ على حياة أفراده، وليس على مصالحهم فقط.
ولكن من المستفيد من هذه الحالة ومن يغذيها؟
بالتأكيد أن النظام هو المستفيد الأول من هكذا حالة وينسجم معها كلما تطورت الأمور أكثر، ذلك أنه يستطيع أن يوفر له قاعدة شعبية فئوية متعصبة من جهة ومن ضمنها من يرتبط مصيرهم بمصيره من عناصر الأمن وقواته المسلحة والحزبية، ومن جهة أخرى اعتقاده بتفوق كفته نتيجة امتلاكه الأسلحة والآليات والخبرة العسكرية بمواجهة مليشيات مدنية على الأرجح غير مدربة على استخدام الأسلحة وخاصة الثقيلة منها.
الجانب الأخر المستفيد من الحرب الأهلية، هي الجهات التي لديها عقائد تكفيرية وتؤمن بالإبادة وإقصاء الآخر، وان موتها انتصار فضلا عن كسبها الحرب.
أيضا هناك طرف ثالث مستفيد من الحرب الأهلية ولا نتحدث هنا عن إسقاط النظام، فهذا أمر على الأرجح تتفق عليه غالبية الأطراف خاصة في ظل رياح الربيع العربي التي هبت في المنطقة، والمستفيد هنا من إضعاف بلد مثل سوريا كما هو الحال من إضعاف العراق كقوة وبلد موحد في المنطقة، هو إسرائيل التي يريحها بالتأكيد أن تكون بلدان المنطقة منشغلة بمشاكلها الداخلية وان توجه (عداءاتها) داخليا.
إن مؤشرات الحرب الأهلية هي التحشيد الطائفي الذي يحاول كل طرف أن يحسن أداءه. فطرف النظام يحاول تصوير أن تداعيات إسقاطه ستؤول إلى إبادة لأبناء الطائفة العلوية التي تسيدت سدة الحكم طيلة فترة العقود الأخيرة، ويحاول استثمار علاقاته الطيبة بإيران وعدائها لإسرائيل تحت نفس الذريعة. كذلك استمالة الإعلام والرأي العام الشيعي في بلدان المنطقة والعالم. بمقابل ذلك تسعى أطراف في المعارضة إلى استمالة الأنظمة العربية وتركيا وحتى أميركا وحلف نيتو (NATO) في مسألة التهديد الطائفي والمذهبي واليد الإيرانية الطولى التي تدعم النظام، ما يعني أن أي طرف معادي لإيران معني أيضا بالمعركة.
هل يمكن للمرء الوقوف على مسافة واحدة من طرفي الصراع؟؟
من الصعب على أي منصف أن يقف على مبعدة واحدة من طرفي القتال، فالمدنيون الأبرياء هم اكبر الضحايا وسوريا البلد الذي لا يمكن لأحد خاصة من محيطه العربي أن يتنكر لحسناته، وقيمته في الديموغرافيا والثقافة والتاريخ. إن أول طرف يلام في هذه المعركة هو النظام الحاكم في دمشق. فهو من أوصل الأمور إلى هذا الحال، وهو من فضل مصالحه في البقاء وفرض لونه على الشارع السوري حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه. نعم هناك تدخل خارجي يتمثل بالدعم المادي والمعني للمعارضة السورية بالداخل والخارج، وهذا أمر كان على النظام توقعه. وبالتالي كان عليه حقن دماء شعبه والإقرار بالحاجة المجتمعية للتغيير إن آجلا أم عاجلا، وكان عليه التنحي ولو تدريجيا حتى يتخلص من هذه الورطة.
ما الذي يجب أن ندركه ومن المعني؟
ما يجب أن ندركه أن العداء الشعبي والرأي العام العالمي يستحكم يوما بعد آخر ضد النظام وأنه (النظام) يتآكل فعلا، وان مآله السقوط الحتمي، وان الدعم الخارجي يتزايد ويتعمق بكل الاحتمالات مع طول. وان مع طول أمد النزاع تتسع الهوة بين أبناء الشعب وطوائفه التي لا يمكن أن تكون بمنأى عن التصنيف لاحقا (مع أو ضد، موال أو مناوئ) أو ربما (على درب الحق أو ضال). وان على الأطراف الداعمة للنظام السوري الوقوف على الحياد على أقل تقدير، خاصة إيران وحزب الله في لبنان. أما روسيا والصين، فلا اعتقد أن وضع سوريا يهمهما كثير لاحقا بقدر ما يهمهما أن تكون لهما مواقفا ضدية من الولايات المتحدة الأميركية كي يظهرا كقوتين عظميين.
بنفس الوقت فإن على أطراف المعارضة السورية التي تواجه النظام أن يكون خطابها معتدلا وألا تثير أطرافا ترتبط بسوريا بشكل كبير وتؤثر وتتأثر فيها بكل الأحوال. وأن تتبرأ وتنأى بنفسها عن خطابات التخوين والقتل على أساس الهوية التي يطلقها البعض من المحسوبين عليها أو ربما تكون مفبركة ضدها. فانتصار الثورة في ليبيا لم يغنها عن جارتها الجزائر، ومثلها تفعل تونس ومصر التي أول وجهة لحكومة الثورة المنتخبة كانت المملكة العربية السعودية. لذا فلا غنى عن سوريا المستقبل عن العراق مثلا أو باقي بلدان المنطقة.
إن المعركة لا بد أن تحسم والمرجح جدا أن النظام السوري هو الخاسر الأكبر فيها، وان طالت مدة ابعد، فعلى الأرجح هي أشهر حتى تتهاوى آخر قلاعه.
[email protected] *
- آخر تحديث :
التعليقات