إنها صرخة..
لم يرتكب الجيش السوري الحر منذ تأسيسه بعد الثورة السلمية بأشهر، بأي اعتداء على المدنيين عموما، ولم يرتكب أي فعل ضد المدنيين من أبناء الطائفة العلوية خاصة...هنا يكمن أحد تجليات تفوق الثورة الأخلاقي والوطني..وما تبقى من حرتقات بعضنا حول البحث عما يدين الفعل المسلح للجيش الحر، في حماية المدنيين السوريين، يعد اصطفافا عمليا مع المجرم...حاولت ثلة من قليلي الضمير، البحث عن أية حادثة لاقتلاع الاس الوطني للثورة، لم يفلحوا...هذا لا يعني أنه لم تجري حالات تستحق الانتقاد والضبط، لكنها لم تأتي في سياق استهداف المدنيين من أبناء الطائفة العلوية، وهذا مؤكد تماما، لم تستطع العصابة الأسدية ولا أبواقها في الداخل والخارج أن يثبتوا عكس هذا الكلام...

لم تهاجم من قبل الجيش الحر أي قرية علوية في ريف حمص مثلا، لم يهاجم اهل الحفة أية قرية علوية بجانبها، ولم يهاجم أحد أي تجمع سكاني يقطنه غالبية علوية...رغم أنه كما يقول حازم صاغية في جريدة الحياة في مقالهquot; الملحمة السورية: quot;كائنةً ما كانت تسمية الحدث السوري الكبير، laquo;انتفاضةraquo; أم laquo;ثورةraquo; أم laquo;حرباً أهليةraquo; أم laquo;أزمةraquo;، وهو خليط من هذا كله، فإن ما يميزه عن أقرانه درجةُ العدوان الذي يُمارَس على المجتمع، ومن ثم مدى الشجاعة التي يُحمل المجتمع على إبدائها رداً على العدوان ذاك. فمجزرة قرية التريمسه- في محافظة حماة والذي ذهب ضحيتها أكثر من 250 شهيد من الاطفال والنساء والرجال- ليست سوى عنوان دموي ووحشي آخر يهب في مواجهة دعاة التسويات الملفقة... ذاك أن العنف الذي تُطلقه السلطة السورية لا يمارسه إلا غرباء غير معنيين بتاتاً بأحوال laquo;ناسهمraquo; و laquo;أهلهمraquo;، لا يعيشون بينهم إلا بشرط أن يعيشوا فوقهم.. quot;.

يجب أن نفهم الاس التي تم بناء عليه قيام العصابات الأسدية بمجازرها، لكي نتفهم ونفهم أيضا أين وصلت سوريتنا؟ يعلق احد الناشطين بالقولquot;وهكذا استطاعت العصابات الإرهابية المسلحة المعارضة للنظام.. بدعم أمريكي إسرائيلي.. أن تنشر الموت والخراب في كل أرجاء سوريا باستثناء المناطق المؤيدة للنظام..!!....هذا التعليق بقدر ما يحمل من السخرية المرة، بقدر ما يعبر عن حجم التزوير الممنهج الذي يمارسه العالم بحق ثورتنا وشعبنا..مفهوم وغير أخلاقي أن تقوم الاجهزة الاعلامية الموالية للعصابة الأسدية في العالم، وهي ليست قليلة لاسباب عديدة، كنا تطرقنا إليها سابقا في أكثر من مكان، أو تلك الاجهزة التي تريد استنقاع الثورة السورية، لكن ما يهمني هنا هو الخطاب الذي نجده داخل صفوف من يدعي المعارضة، أو داخل هيئات تدعي النزاهة الاغاثية أو الحقوقية..عندما تطلق مفاهيم ومصطلحات، دون أن تقدم تبريرا حقيقا او تفسيرا منطقيا لاطلاق هذه المفاهيم..
نعم في سورية الكتلة المطيفة للعصابة الأسدية تخوض حرب ابادة ضد بقية مكونات الشعب السوري. والدليل التالي واضح: رغم مرور عام ونصف على الثورة ورغم كل ما تعرضت له حوران، لم تتعرض منطقة واحدة من مناطق تواجد ابناء الطائفة العلوية لأي هجوم طائفي من قبل بقية ابناء شعبنا او من قبل الجيش الحر، رغم أنه بمقدوره ذلك..في حوران التي اطلقت الثورة ورغم كل الدمار والمجازر والقتل والسلب والنهب لم تتعرض عائلة واحدة من الطائفة العلوية من المقيمين في حوران كعائلات الضباط والعسكر وعائلات رجال الاستخبارات، لأي هجوم من أي نوع كان..رغم انه كان ولايزال بإمكان الجيش الحر القيام بذلك، لكن لم يفعل ولن يفعل لأن ليس جيشا طائفيا أولا، ولأنه يريد سورية لكل السوريين كما اعلنت ثورتنا منذ بدءها...لم تستطع كل اجهزة النظام واختراقاته لبعض الاصوات، ولا كوفي عنان ومراقبيه، ولا من قبله الدابي ومراقبيه العرب من تقديم دليل واحد على تعرض مناطق ذات كثافة سكانية علوية لمثل هكذا هجوم على اساس طائفي..نأتي لمقولات اليسار الذي اعلن افلاسه منذ ان غادر حياة الناس وانزوى في علمانية تعويضا عن انتكاسته التاريخية على المستوى العالمي والسوري، علمانية تحتقر المجتمع وتبحث عن اية حادثة فردية أو جمعية لتدين هذا المجتمع، وحتى من لبس منهم لبوس الثورة، وأيضا هؤلاء مفهومة دوافعهم، ولكن هنالك من يريد ان يقول لنا أن الطائفية سياسة ونحن موافقون معه، لكن لايقول لنا ماذا تعني هذه في اتون هذه الحرب الدموية التي تخوضها هذه العصابة على شعبنا..؟

ماذا تعني في موازين القوى العسكرية على الارض.. هم يعرفون ماذا تعني لهذا هم وقفوا ضد التدخل العسكري الخارجي والمطالبة به..مرة أخرى كل المكونات السورية انشقت عموديا وخرجت في تظاهرات، إلا المكون العلوي لماذا؟ لا ينفع القول أو التذرع بالخوف من النظام..ولو أنه موجود ومفهوم، ولكن الاهم أن الكتلة الغالبة هي مع النظام قلبا وقالبا لاعتبارات تتلعق بنشوء النظام..الثورة مليئة بالناشطين من الطائفة العلوية، هم يعترفون أنهم في مناطقهم منبوذين وحياتهم وحياة عائلاتهم معرضة للخطر، لكن لايجيبون عن سؤال لماذا؟ ولا يفسروا لنا من خلال معايشتهم هم لماذا جموع الطائفة مع النظام؟ وهم انفسهم لايصدقوا ان ابناء الطائفة يخافون من الأكثرية، لأنهم لو كانوا يخافون لما ارتكبوا هذه المجازر الفظيعة بحق ابناء وطنهم..ولكان هؤلاء انفسهم قد استطاعوا الخروج ولو بمظاهرة سلمية واحدة، لا تدعو لاسقاط النظام، على الأقل تدعو لوقف القتل في المناطق الأخرى من سورية..هم حتى لايستطيعون الدعوة لتجمع صغير من أفراد خوفا على حياتهم من جيرانهم، وليس من اجهزة الامن...لكن عندما تتحول طائفة كاملة تقريبا لعسكر وشبيحة ومخابرات، يصبح للحديث مغزى آخر..

ولا يمكن القبول فقط ان غالبية الطائفة تحولت لعبيد عن آل الأسد بالقوة!! بل هم جند بمحض الرضا...عندما يقصفون دمشق...فبعد دمشق ماذا يريدون؟ المؤسسة العسكرية التي تتحرك في سورية فيها من مختلف المكونات صحيح، لكن كم عددهم؟ وكم هو الفاعل فيهم؟ لا تضحكوا على أنفسكم بتسويق فكرة ان الجيش يضم كل المكونات...وفقط!! هذا تزوير آخر...فرنسا كان لديها سوريين في جيشها اثناء وجود قواتها المحتلة في سورية!! ابحثوا عن الفاعل والكم والنوع..مهمة هذه التفاصيل لتوصيف الحالة، والبناء عليها سياسيا..علينا أن نجد في البحث عن قنوات التفاعل التاريخية بين العصابة الأسدية وبقية جمهور الطائفة، فهي ليست ذات صمام عدم رجوع من طرف واحد من فوق لتحت بل هي مفتوحة لتفاعلات بينية...وإلا ما معنى أن يصبح آل الأسد الممثل السياسي والعسكري والديني لجماهير الطائفة...يصل لمرحلة التقديس، والتي انتقلت من مرحلة تقديس الانا إلى مرحلة تقديس النحن كطائفة بمواجهة المجتمع السوري...المجازر ترتكب بناء على هذه الترميزة...بما تعنيه في حالة تفكيكها، من تداخل العقيدي بالتاريخي، المصلحي بالثقافي...لدرجة اصبحت علاقتهم خارجية، وكأنهم طرف غير سوري على ماذهب حازم صاغية في نفس المقالquot; هذه العلاقة الخارجية بالمجتمع تجعل الشجاعة الأسطورية للسوريين أمراً محتماً لا مهرب منه، لأنها تخيرهم بين الموت مرة وهم يدافعون عن أنفسهم، والموت مراراً وهم يتحملون طردهم من بلدهم من غير أن يدافعوا. في هذه المعاني كلها يتجاوز الصراع في سورية ما هو سياسي إلى ما هو أساسي وأصلي في علاقة البشر بعضهم ببعض. وهنا ترتسم عناصر ملحمة من عيار توراتي، ملحمةٍ يبدو حيالها سخيفاً وتافهاً ذاك laquo;التسييسraquo; الذي يجمل النظام، لأنه laquo;ممانعraquo; أو لأي سبب كانquot;. لايمكن فهم تلك المجازر والذبح بالسكين خارج تلك المعطيات، وإلا سنبقى ندور بحلقة مفرغة كالقسمة بين من هم مع التدخل الدولي ومن هم ضده...العصابة ما كان ممكن أن تكون كذلك لولا أنها طائفية....