من أخطر الظواهر التي تواجه الإنسان فوق هذا الكوكب، ظاهرة (العنصرية)، وتلك النزعة السيكولوجية، والأيديولوجية التي تمارسها شرائح من أعراق معينة ضد أعراق أخرى..
و(العنصرية) ترتكز على تصورات وأفكار مناوئة للعلم ومعادية للإنسان في محاولتها التأكيد من التفاوت البدني والنفسي بين الأعراق البشرية، وعلى جواز ضرورة سيطرة العرق (الأعلى) على الأعراق (الدنيا).
ويحاول منظرو (العنصرية) البرهان على صحة أفكارهم بمختلف الحيل والأخاديع..
وبادئ ذي بدء يقوم العنصريون بالمطابقة بين البيولوجيا البشرية، والبيولوجية الحيوانية، ويحددون البشر في سلالات ويبينون محاسنها ومساوئها تبعاً لأصلها البيولوجي.
وكثيراً ما تركز الظاهرة العنصرية على الفوارق ثانوية الأهمية بين الناس لتنكر وحدة البشر البيولوجية، ولتحول البيولوجيا ذاتها إلى العامل الحاسم المحدد للتطور الإجتماعي..
وبما أن الأعراق المختلفة من هذه الزاوية ذات بيولوجيا متباينة نوعياً، تعلن بعض الأعراق، أعراقاً كاملة من الناحية البيولوجية، أعراقاً قوية وموهوبة، وتصور الأخرى أعراقاً قاصرة محدودة الذكاء وضعيفة.
ومن هنا ينطلق العنصريون للقول: إن الطبيعة نفسها هي التي هيأت الأقوياء وقدرت للضعفاء الخضوع وعدم التذمر من حكم الطبيعة والنتاحر ndash; المفتعل ndash; بين الأعراق (العليا) و(الدنيا) تصوره الرؤيا العنصرية بأنه قوة محركة للتطور الإجتماعي.
* * *
bull;والعنصرية التي ظهرت منذ المجتمع العبودي - الذي ازدرته الأديان السماوية - قد استُخدمت لإثبات طبيعة سيطرة الأسياد على العبيد في العصور الوسطى، وسيطرة الأشراف على العامة، وراحت تبرر الإستغلال البشع لسيطرة الإنسان على أخيه الإنسان، حتى وصل الأمر إلى الإبادة الجماعية للهنود الحمر وللزنوج ولشعوب كثيرة في جنوب آسيا وأستراليا.
وقد تجسد تفاعل العنصرية وهذه التيارات على أشد صوره خطراً في الفاشية والصهيونية.
فالنازية اعتبرت العرق الجرماني عرقاً (أعلى)، وأشعلت نار الحروب بهدف تحقيق فكرتها التي تدعو إلى بسط سيطرة (العنصر الآري).
والصهيونية تنطلق من نظرية (الشعب المختار)، وتدعو يهود العالم ليحققوا (أمة واحدة) في أرض الميعاد، وتتجلى النظرية العرقية بوضوح عند زعماء الصهيونية الأوائل وعلى رأسهم (جابوتنسكي)، (جولدمان)، (هرتزل).
bull;ليت أن الذين يسعون لتخليص الشعوب من العبودية والتخلف يدركون خطر العنصرية الذي بات واضحاً للعيان في قارة أفريقيا حيث المجاعات والحروب العرقية التي تنتقل من بلد إلى بلد آخر.. من الصومال إلى بوروندي إلى ليبريا ونيجيريا..
والغريب أن بعض الأصوات الكردية، أخذت ترتفع هذه الأيام من أنها أرقى عرقاً من العرب، لأنهم أي الكرد آريون، أما الإسلام الذي وحّد بينهم فليس فيهم من يذكر تعاليمه بشيء.. وقد أصابني طشاش من عرقيتهم إثر مقالةٍ سياسية كتبتها في إيلاف، فانقلبت لدى البعض منهم الى سباب وشتائم ذو طابعٍ عرقي.
* * *
أما الاسلاميون (ذوي الاتجاهات السياسية) فأخذوا عبر مرجعياتهم الصادرة عن مرشديهم يوزعون صكوك الغفران على أنهم هم (الأروع) و (الأبدع) و (الأكثر انسانية) من غيرهم، بينما التاريخ يحدثنا أنه منذ أن انتقل نبي الرحمة الى السماء:
bull;قُتل ثلاثة من خلفائه!!..
bull;وخرجت زوجته لقتال ابن عمه الخليفة في موقعة الجمل في البصرة!!..
bull;وتقاتل أولاد عمومته (علي) و (معاوية) في معركة صفين!!..
bull;وسُحل أحفاده ومُثّل بهم في تراجيدية كربلاء!!..
bull;وانقلب أولاد عمومته على الدولة الراشدية ليأسسوا الدولة الأموية!!..
وبعد عقود تسعة مليئة بأحداث يخالف البعض منها شرائع الاسلام..
bull;انقلب عليهم أولاد عمومته ليأسسوا للدولة العباسية التي استمرت لعدة قرون!!.. بُنيت فيها القصور الفخمة!!.. والتي عجت بالجواري، والغلمان، وكثرت في عاصمة الاسلام الحانات، وكافة أنواع الشذوذ التي يتصدى لها الاسلام!!..
* * *
bull;واستمرت سلسلة الدماء بسبب الوصول الى حكم الاسلام باسم الاسلام، بلا اسلام.. متخذةً أحياناً أسباباً عنصرية.. ترك.. فرس.. مماليك.. إلخ.. طوال تلك القرون حتى أوصلتنا الى أن نقاتل بعضنا البعض في وقتنا الراهن لاختلاف المذاهب فيما بيننا، ايماناً من كل مذهب من أن صاحبه يملك الحقيقة المطلقة بأنه هو العنصر (الأروع) و(الأبدع)..
bull;فقاتل الله العنصرية بفروعها: (العرقي) و(الاجتماعي) و(المذهبي)!!.. ممن جعلوا من quot; إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق quot;.. و quot; إنما جئت رحمة للعالمينquot;.. وغير ذلك من رسائل المحبة والرحمة!!.. لتغدو تسير باتجاه معاكس نحو (الكراهية)، و(الحقد)، و(العنصرية) و(الطائفية) و(المذهبية)!!..