يروى أن quot;نسراًquot; قد بلغ من العمر أرذله.. وبات يشعر أن أيامه الأخيرة أزفت، فصاح بصوت قوي متهدج ومجهد، ولكنه ndash; من شدته ndash; قد شق عنان السماء، فهرع إليه أبناؤه وأحفاده من الذين كانوا يطيرون فوق الجبال والسفوح في كردستان العراق، والتفوا حوله فزعين.. نظر النسر إليهم متفحصاً وجوههم واحداً بعد الآخر.. وخاطبهم قائلاً: quot; لقد ناضلت طويلاً من أجل تربيتكم، كنت أجوع لكي أُطعمكم.. وحميتكم صغاراً.. وعلمتكم كيف تنظرون إلى عين الشمس وهي في أوج وهجها.. وها أنتم أولاء تغرسون نظراتكم في جسم الشمس.. تتحدون لفح جهنمها.. لهذا فأنتم أكثر جدارة من غيركم ndash; من الطيور العراقية الأخرى ndash; لتحلقوا إلى الأعلى، ولتسمقوا نحو الأرفع.. وإن من لا يرد أن يهدر دمه من بقية المخلوقات.. فلا يقترب من أعشاشكم.. ويجب أن يحسب لكم ألف حساب وحساب.. وأن تهابكم كل المخلوقات الحية.. إنني الآن على وشك الرحيل، ولكنني أرفض الموت ممدداً في عشي، سوف أطير وأطير إلى أعلى قمة تقودني قوتي إليها، وتحملني أجنحتي نحوها.. سأسير نحو الشمس، كما لو كنت في رحلة إلى سطحها .
ولما أنهى النسر العجوز حديثه لأبنائه وأحفاده، حلق دائراً في أنفة وعظمة وكبرياء نحو صخور عشه، حيث ألقى عليهم النظرة الأخيرة.. ثم اتجه فجأة ndash; وبشكل مستقيم ndash; إلى أعلى تجاه الشمس.. حتى غاب عن مرمى نظر النسور التي أخذتها الدهشة لإرتفاع وإختفاء النسر الطاعن في السن.. ولكن.. ما هي إلا دقائق حتى ارتطم جسم النسر الهرم، بصخرة جبلية صلبة.. وكأنه نيزك قُذف به من السماء، ليتهشم على صخرة أرض الواقع.
وكانت نهايته هذه درساً عظيماً للنسور ممن صدقوا ndash; لوهلة ndash; أنه بمقدورهم السفر إلى سطح الشمس التي جعلوها شعارهم في علمهم المؤقت ونسوا أنه: (ما طار نسر وارتفع.. إلا كما طار وقع)!!.. سواء كان ارتفاعه فيدرالياً!!.. أو أمريكياً!!.. أو موسادياً اسرائيلياً؟!..