ذات مرة فارق المؤلف البريطاني تشارلز ديكنز لندن، ثم عاد إليها ليكتشف أن المدينة التي أمضى فيها حياته، هي ليست مدينة واحدة!!.. إنما هي أكثر من مدينة!!.. مدينة للأثرياء، عندهم كل شيء.. ومدينة للفقراء، لا يملكون أي شيء.. ومدينة للضائعين الحالمين الغاضبين!!.. فكتب قصة مدينتين!!..
ولو زار تشارلز ديكنز وطننا العربي، لإكتشف أن هذا الوطن يتقسم ما بين أُناسٍ لا يجمعهم وطنٌ واحد فحسب، ولا تجمعهم لغةٌ واحدة فقط، ولا تجمع ما بينهم أديانٌ سماوية.. إنما سيجد أن هذا الوطن الذي كان يتصدر الحضارات الانسانية قديماً، والذي بُعثت منه الأديان السماوية للبشرية جمعاء، هو عبارة عن طوائف، وشيع، وأقوام، تحكمهم العصبية، والعرقية، والطائفية، حتى وصلوا الى ما هم عليه من المنحدر السحيق الذي يعيشونه في وقتهم الراهن!!..
نعم.. فالعرب مجموعة من العوالم والأوطان!!.. لكل عالم أفراحه وأتراحه!!.. ولكل وطن جنونه وفنونه!!..
بل قل إن وطننا العربي يشبه إلى حدٍ كبيرٍ مجموعة من الجزر قبل عصر المواصلات البحرية التي أقامت الجسور بين أكبر البحار فضلاً عن الجزر الصغيرة!!..
bull;لو زارنا تشارلز ديكنز ورأى غربة العربي في بلده وخارج بلده؟!!.. ورأى ماذا يفعل العربي بأخيه العربي؟!!.. وكيف ينظر الشيعي الى السني والسني الى الشيعي؟!.. وما هي نظرتهما معاً الى المسيح العربي؟!.. ناهيك عن النظرة العرقية للأقليات التي تعيش بين ظهرانيهم!!.. وفوق هذا وذاك كيف يذهب المال العربي في أغلب الأحيان إلى جهات أجنبية؟!.. بينما الأرض العربية تحتاج إلى من ينفق عليها لتعطي ما يجعل من الفقر في عالمنا العربي شيئاً غريباً!!.. خاصةً إذا ما استُثمر هذا المال في السودان والجزائر ومصر وغيرها!!..
bull;وتعالوا بنا نقرأ ما أوردته وكالات الأنباء عن بحث ألقاه أستاذ للإقتصاد في إحدى الجامعات العربية، أكَّد فيه أن نفقات الدول العربية على شراء السلاح بلغت آلاف المليارات من الدولارات؟!!.. آلاف المليارات من الدولارات خلال العقود الثلاثة الماضية؟!!.. آلاف المليارات من الدولارات بسبب النزاعات المسلحة؟!!..
ولم يشمل البحث نفقات الحرب العراقية الايرانية التي استمرت لثمان سنوات، كما لم يشمل حرب الخليج التي كلفت العرب ثمانمئة مليار من الدولارات.. من أموال دول الخليج فقط!!..
بينما بلغت خسائر العراق في هذه المغامرة أكثر من مئتي مليار دولار!!.. ولم يشمل احتلال صدام للكويت الذي كلَّف المنطقة ما يقرب من الترليون دولار!!..
ويشير البحث الإقتصادي والذي نقلته وكالة الأنباء الفرنسية، إلى أن النفقات العسكرية للبلاد العربية قد زادت عن نمو إجمالي الناتج القومي بين أعوام الثمانينات والتسعينات والعقد الأول من هذا القرن!!..
هل رأيتم إنهياراً أكثر من هذا الإنهيار؟!..
bull;لو رأى تشارلز ديكنز ذلك الذي يحدث في وطننا العربي لكتب عشرات الكتب التي تبز حجم روايته العظيمة ( قصة مدينتين )، التي ألفها بعد أن أكتشف أن لندن ليست مدينة واحدة، إنما هي مجموعة من المدن.
* * *
bull;لسنا في حاجة إلى ديكنز جديد، أو أي خبير في شؤون طباع أوضاع الشعوب!!.. لأن حقيقتنا نعرفها مثلما نعرف أسماءنا.. وواقعنا هو خبزنا اليومي.. ولكن المشكلة التي تواجهنا أُلخصها في هذا السؤال:
bull;هل البديل لكل ما تعرضنا له من كوارث في العقود الماضية، يتلخص في من تمَّ انتخابهم في تونس، ومصر، وليبيا، والكويت، وغيرهم ممن كانوا يُمسكون بزمام الأمور منذ قرون، وتكاد أن تكون معظم الكوارث التي نعانيها وتعانيها المنطقة، والتي تبدأ من الرؤية للمرأة كناقصة عقل ودين، والى الرجل الذي لا يجوز له شرعاً إلا أن يكون طائعاً لأولي الأمر.. وغير ذلك من التشريعات التي ليس فيها ما يوائم حياة الانسان المعاصرة فوق هذا الكوكب.. هل هؤلاء هم البديل؟!..
التعليقات