لم يستطع أي من المرشحين 13 الحصول على أكثر من خمسين بالمئة في المرحلة الأولي، التي تؤهله للفوز برئاسة مصر بعد ثورة 25 يناير 2011. وهو ما يستوجب جولة انتخابات ثانية سيكون قطبيها وفق النتائج النهائية المعلنة اليوم،كل من الدكتورمحمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين وممثل quot;الدولة الدينيةquot;، والفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وممثل quot;الدولة المدنيةquot;، لكن يبدو ان قراءة الأرقام (داخل الأرقام) قد يلقي الضوء علي بعض الحقائق التي قد تتوه وسط غبار التصريحات المتناقضة والحرب الإعلامية (والنفسية) المتصاعدة في مصر .
من إجمالى 50 مليونًا و996 ألفًا و746 صوتًا، يحق لهم التصويت، أدلى 23 مليونًا و672 ألفًا و236 بأصواتهم، من بينهم 23 مليونًا و265 ألفًا و516 صوتًا صحيحًا، فيما بلغ عدد الأصوات الباطلة 406 آلاف و720 صوتًا. وسجلت نسبة المشاركة فى الجولة الأولى 46.42%، ووفقاً لهذه النتائج فقد حصل مرسى على 5 ملايين و764 ألفا و952، فيما حصل شفيق على 5 ملايين و505 آلاف و327 صوتا.
أن نسبة التصويت فى انتخابات الرئاسة 46.42% من جملة من يحق لهم الانتخاب، معناه (تراجع نسبة المصوتين) في الانتخابات الرئاسية مقارنة بالانتخابات البرلمانية التي بلغت 54%. وإن شئت الدقة فهو يعني ndash; في العمق - تراجع تأييد الإسلاميين في الشارع المصري (الذين سبق وأن صوتوا لهم في مجلس الشعب) - رغم فوز محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين ndash; لأن النتائج تخبرنا أن جملة المصريين الذين صوتوا للتيار الاسلامى (أو للدولة الدينية) لم يتجاوزا 10 ملايين، وهم جملة أصوات محمد مرسى وعبدالمنعم أبو الفتوح مجتمعين، فى مواجهة أكثر من 12.5 مليون صوتوا لحمدين صباحي وعمرو موسى وأحمد شفيق، علي اختلاف منطلقاتهم واتجاهاتهم، وجميعهم يمثل (الدولة المدنية).
الأصوات التى حصل عليها محمد مرسى، مرشح الجماعة، من 23 مليونا الذين صوتوا بالفعل لا تتعدى نسبة ال 25% من أصوات الناخبين، أي لا تتعدي 12% من إجمالي 50 مليونا الذين يحق لهم التصويت. وهو (رقم) واقعي يعبر عن مدي تأثيرهم في الشارع، لكنه لا يتناسب إطلاقا مع (نسبة الإسلاميين في مجلس الشعب) ndash; وتلك مفارقة تحتاج لدراسة متعمقة قد تكشف أمورا خطيرة - أو حتي مع نبرة الاستعلاء والغطرسة التي يتحدث بها الأخوان في وسائل الإعلام ومع العالم الخارجي.
ناهيك عن حالة (الذعر) التي أصابت الإسلاميين جميعا من هذه النسبة (12%) والتي دفعتهم إلي quot;التهديدquot; والوعيد لشركاء الوطن من الأقباط والتيارات العلملنية من يساريين وليبراليين وقوميين، وبدلا من أن يراجعوا مواقفهم وخطابهم وسلوكياتهم ويمارسوا النقد الذاتي، لجأوا (كالعادة) إلي استدعاء quot;نظرية المؤامرةquot; والترويج لكذبة كبري هي أن الفريق شفيق تقدم عن طريق أصوات الأقباط، وهو أمر غير صحيح فأكبر تقدم حققه شفيق كان فى أربع من محافظات الدلتا، وهى الشرقية (محافظة محمد مرسي) والغربية والمنوفية والدقهلية، وهى محافظات لا تتعدى نسب الأقباط فيها ٥٪ من إجمالى عدد سكانها، بينما يصدع الإسلاميون رؤوسنا ليل نهار بأن عدد الأقباط فى مصر لا يتجاوز ٦٪ من السكان!
اصرار الإخوان المسلمين والمتعاطفين معهم علي تثبيت مفهوم أن محمد مرسي هو quot;مثل الثورةquot;، ليس quot;افتئاتاquot; علي الحقيقة وquot;الثورةquot; فقط،التي كان الإخوان هم آخر المشاركين فيها وأول المنسحبين منها ndash; وتكرر ذلك مرارا وتكرارا علي مدار أكثر من سنة - وإنما هو نوع من quot;الحرب الاستباقية الجديدةquot; لإجهاض أية ثورة في المستقبل ضد الحكم الديني، في حال نجاح مرسي في الإعادة. الدولة الدينية quot;تكفرquot; فصل السياسة عن الدين، والتكفير سلاح قوي لإدانة كل مواطن يعارض النظام الديني، لأن المعارضة ممنوعة باعتبارها مخالفة لشرع الله.
quot;الشعبquot; عند الإخوان المسلمين ليس مصدر السلطات وإنما الشرع الديني، وبذلك ليس للشعب أي دور في الحكم، بل إن أي رجل دين أو سياسي ملتحف برداء الدين ndash; لا فرق - يستطيع ان يكفر الرأي المعارض والمختلف معه، لأن السلطة التي يستمدها quot;فوق الحريةquot; أو قل أن هذه السلطة هي التي تحدد rdquo; مساحة الحرية rdquo; وضوابطها، ومن هنا نجد أن الدولة الدينية تتمتع بالسطوة الدينية والسياسية معا، ومن ثم تجعلْ quot;الدستورquot; ndash; الذي يسعي الإسلاميون لاحتكار صياغته الآن - سلاحا لضرب الشعب أساسا، بينما تجعل الدولة المدنية quot;الشعبquot; صانع الدستور ليحمي حقوقه وواجباته، عن طريق (تقنين) حزمة من الحقوق أهمها (معارضة النظام) وحق التظاهر والاعتصام وquot;الثورةquot; إذا لزم الأمر.
[email protected]