قبل ساعات أجري الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، مكالمة هاتفية مع الرئيس الأمريكى باراك أوباما - الذي هنأ بوتين بتولي منصب رئيس الدولة رسميا من جديد - تبادلا خلالها التهانئ أيضا بمناسبة الذكرى الـ 67 للانتصار على الفاشية، والتأكيد علي الأهمية التاريخية لعلاقات التحالف التى كانت تربط بين شعبيهما فى أعوام الحرب العالمية الثانية، كما بحثا آفاق تطوير العلاقات الروسية الأمريكية في المستقبل.
على هامش قمة الأمن النووي في سول (إبريل الماضي) صرح أوباما لميدفيديف أنه سيكون أكثر ldquo;مرونةrdquo; ndash; بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم ndash; في حل القضايا الصعبة مثل الدفاع الصاروخي، ووعد الأخير بأنه سينقل هذه المعلومات إلى الرئيس الجديد المنتخب rdquo; بوتين ldquo;، وهو ما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن روسيا التي كانت العدو رقم واحد لأمريكا قبل عام 1989، أصبحت شريكا رئيسا للولايات المتحدة، وتلك هي الحقيقة الغائبة التي تتوه وسط غبار الأحداث وسخونتها خاصة في الملفين السوري والإيراني.
أولا: انتخاب ldquo;بوتينrdquo; هو الحدث الأكثر أهمية للشراكة بين الدولتين (القوتين) منذ عام 1990، حيث بدأ ولايته الرئاسية الجديدة والتي سوف تستمر حتى عام 2018، ومعروف أنه بعد أكثر من عقدين من المفاوضات بين الجانبين وبمشاركة (بوتين) تحديدا، انضمت روسيا إلى منظمة التجارة العالمية (WTO)، ما يعني أن الكونجرس الأمريكي لابد وأن يُصوِّت لصالح منح روسيا علاقات تجارية دائمة ومتميزة.
ثانيا: أياً ما كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، فإن من سيجلس علي المكتب البيضاوي في يناير القادم 2013، سيظل يعتبر روسيا شريكا لا غنى عنه بل وفي مقدمة الشركاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة فيما يخص المصالح الأمنية في نصف الكرة الأرضية الشمالي، حيث تُستَخدَم الطرق الروسية والسكك الحديدية والمجال الجوي لنقل أكثر من نصف تعداد القوات الأمريكية والإمدادات العسكرية اللازمة لجهود حلف ldquo;الناتوrdquo; في أفغانستان خصوصاً مع الانسحاب الوشيك للقوات الأمريكية في عام 2014، وسوف يصبح هذا الطريق بنفس القدر من الأهمية باعتباره الخروج الآمن للأسلحة والذخيرة التي لا يمكن أن تُترَك للجيش الأفغاني أو تقع في أيدي المتمردين.
ثالثا: روسيا هي لاعب محوري في القضايا العالمية وأهمها الأمن النووي، سواءً كان ذلك متمثلا في منع الانتشار النووي أو تعزيز سلامة وأمن المواد النووية أو اتخاذ خطوات معقولة للحد من الترسانات النووية المتضخمة وتجنب احتمال حدوث سباق تسلح في المستقبل، وذلك على الرغم من عدم الاطمئنان الأمريكي للخطط الحالية الروسية لدفاعات الصواريخ الباليستية في أوروبا.
رابعا: على العكس تماما من الخلاف الظاهر في العلن بين روسيا والولايات المتحدة، فإن دعم روسيا لفترة طويلة لنظام الأسد (الأب والإبن) في سوريا، يثمِّن الدور الذي يمكن أن تلعبه (كوسيط) دائم في إدارة أية تسوية قادمة أو تعميق الأزمات الإقليمية الحالية، وإذا كان لموسكو استخدام حق النقض quot; الفيتو quot; في مجلس الأمن، فإنه وبالمقابل بإمكانها أن تحجب مبيعات الأسلحة (في لحظة) للدول المارقة مثل سوريا أو إيران، ناهيك عن أنها يمكن أن تجمد أصول عائلة الأسد المالية لديها وفي أماكن أخرى وأن تصبح ملاذا آمنا له ولأسرته (وهو مطروح بقوة الآن).
وإذا كانت quot; الدوافع المادية quot; هي المحرك الأول للسياسة الخارجية للقوي الكبري، فإن السياسة الخارجية الروسية ليست استثناء خاصة في تحالفها القوي مع نظام الأسد وتعزيز وجودها في المياه الإقليمية السورية، وحسنا فعل مجلس المعارضة السورية حين حث على ldquo;ضرورة إرسال ضمانات لروسياrdquo; بأنه سيتم صون مصالحها ووجودها البحري في قاعدة طرطوس.
وفيما يخص إيران، سبق وأن وافقت روسيا علي عقوبات دولية ضد التكنولوجيات الخطرة ذات الاستخدام المزدوج، كما ألغت بيع صواريخ متطورة للدفاع الجوي لإيران، ففي 22 سبتمبر عام 2010 ألغت روسيا صفقة توريد صواريخ ldquo;أس ndash; 300Prime;، تطبيقًا لقرار مجلس الأمن رقم 1929 الصادر في 9 يونيو من نفس العام.
وإذا كان التهديد النووي الإيراني هو مبعث للقلق الدولي لاسيما إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا وبعض دول الخليج، فهو بالضبط ما يجمع كل هذه الأطراف بموسكو لأن روسيا أكثر الدول شعورا بالقلق المتزايد من طموحات إيران النووية في المنطقة، التي تتجاوز بحر قزوين والقوقاز ووسط آسيا، روسيا في النهاية ndash; رغم كل المناورات والادعاءات - لا تريد منافسا إقليميا لها في المنطقة، سواء كانت إيران أو تركيا.
أضف إلى ذلك أن علاقة الولايات المتحدة بروسيا تمتد إلي ما هو أعمق، ذلك أن ldquo;موسكوrdquo; من الناحية العملية هي قناة (غربية) مفتوحة علي الصين وكوريا الشمالية وبعض الدول شبه المارقة في أمريكا اللاتينية، أمس واليوم وربما غدا.


[email protected]