ساعات قليلة تفصل بين هذه السطور ولقاء اللجنة quot;السداسيةquot; الدولية (روسيا والولايات المتحدة والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا) مع إيران يوم السبت 14 إبريل في اسطنبول، حيث تجري quot; مفاوضات مصيريةquot; لإقناع quot;إيرانquot; بوقف نشاطها الرامي إلى تطوير برنامجها النووي العسكري.
من وجهة نظر الولايات المتحدة، التي حركت حاملة الطائرات quot;انتربرايزquot; الى الخليج العربي وأصبح لديها قوة جوية وبحرية فائقة نظراً لوجود الحاملة الأخرى quot; إبراهام لنكولن quot; في المنطقة، فإن جولة اسطنبول ndash; كما هو معلن - هي الفرصة الأخيرة للخروج من الأزمة الإيرانية بالوسائل الدبلوماسية. وإن فشل المفاوضات سيفتح الطريق نحو عملية عسكرية قد تنفذها إسرائيل على أراضي إيران.
لكن المشكلة ndash; كما يقول البروفيسور quot;زئيف حانينquot; في جامعة بار إيلان الإسرائيلية - هي أن أقصى ما يمكن للجيش الإسرائيلي القيام به ndash; في حال نجاح هذه الضربة - هو تأخير برنامج إيران النووي لسنتين تقريبا. ولا يوجد غير الولايات المتحدة الأمريكية من يملك الإمكانات التقنية الكافية لشل مشروع إيران النووي لفترة أطول من ذلك.
مطالب الغرب من طهران تتمثل في الكشف عن برنامجها النووي بالكامل، والسماح بوصول الخبراء الأجانب إلى جميع المواقع بلا استثناء، ودون أية شروط مسبقة. وهذا يعني في العمق : إرغام إيران على التصديق علي ما يسمى البروتوكول الإضافي الملحق بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، حيث يتهم الغرب إيران صراحة بتصنيع أسلحة نووية تحت ستار برنامج الاستخدامات السلمية.
موافقة إيران (المشكوك فيها) علي هذا البروتوكول الإضافي، تعني أن بوسع خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية زيارة وتفتيش أية منشأة من المنشآت التابعة للبرنامج النووي الإيراني بشكل فجائي، ودون الاتفاق بشأن الزيارة قبل عدة أشهر، كما هو الحال الآن.
المعلومات التي سربتها ايران ndash; قبل بدء المفاوضات - هي أنها سوف تقدم مبادرات جديدة تهدف الي تسوية الأزمة، وقد تتخلي عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، خاصة بعد تكثيف الضغوط التي مارسها المجتمع الدولي مؤخرا، والتي دفعت طهران إلي تليين موقفها، فقد تأثر مستوي حياة المواطنين الإيرانيين مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية بنسبة تصل إلى 50% منذ نوفمبر الماضي ، وارتفعت معدلات التضخم والبطالة مع انخفاض إنتاج النفط. وقد ذكرت هيئة الطاقة الدولية الأسبوع الماضي أن إيران تضخ 3,3 مليون برميل يومياً فقط، بعد أن كانت تضخ 3,8 مليون برميل السنة الماضية، علما بأن الحظر الأوروبي على صادرات النفط والغاز من إيران لم يسر مفعوله إلا في يوليو القادم.
في خطوة استباقية.. أيدت كل من روسيا والهند والصين، على نحو استثنائي، حل الملف النووي الإيراني بشكل سلمي، على أساس القرارات الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن الدولي، وشدد وزير خارجية روسيا quot;سيرغي لافروفquot; علي ضرورة تقبل جميع الأطراف خطة quot;التقدم على مراحلquot; وتهدف إلي التعرف بوضوح على برنامج ايران النووي والتأكد من أنه لا يتضمن أهدافا عسكرية ، وهي تقضي من الناحية العملية : بأن تقابل كل خطوة تخطوها إيران نحو الأسرة الدولية بإلغاء واحدة من العقوبات المفروضة عليها.
في تصوري أن هذه الجولة من المفاوضات مرشحة للانهيار، إلا إذا التزمت إيران بوعدها لرئيس الوزراء التركي quot;رجب طيب أردوغانquot;، فقد نقل الكاتب الكبير quot;ديفيد أغناطيوسquot; في مقاله في صحيفة quot;الواشنطن بوستquot;: أن الرئيس الاميركي باراك أوباما بعث برسالة الى مرشد الثورة الإيرانية quot; علي خامنئي quot; عبر الوسيط quot; أردوغان quot;، مفادها انه مستعد للقبول ببرنامج نووي إيراني سلمي، وطلب منه أن يعلن quot; أن إيران لن تعمل ابداً على تصنيع سلاح نووي quot;، علي الرغم أن موضوع التخصيب بقي ورقة غامضة أو متروكة للتفاوض.
مخاوف الولايات المتحدة هنا ليست من السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5، وهي بالفعل مخاوف حقيقة، فقد تتمكن إيران من العودة إلي التخصيب بنسبة تصل إلي 90% في أي وقت، وبالتالي تهديد منطقة الشرق الأوسط وأوروبا والناتو أيضا، كما تقول quot;باربرا سلافينquot; مؤلفة كتاب quot;أصدقاء لدودون وأعداء مقربون: إيران والولايات المتحدة والطريق الملتوية للمواجهةquot; الصادر عام 2007، وإنما المشكلة الحقيقة تكمن في quot;كذب النظام الإيرانيquot; المتواصل والمستمر في تعهداته، ولذلك كان مطلب أوباما المحدد هو أن يعلن مرشد الثورة الإسلامية أمام العالم وعلي الملأ ذلك.
المفارقة هي أن إيران متأكدة تماما من عدم إقدام أمريكا علي أي عمل عسكري ضدها، وهي سوف تستفيد من هذا الوضع لتسجيل بعض النقاط في لقاء السداسية، ناهيك عن أن quot;أوباماquot; نفسه (لن يغامر بالحرب) لأنه يعلم علم اليقين ان الاستراتيجية الأمريكة منذ عام 2000 لم تحدد حسب quot;مايكل سينغquot; كبير موظفي مجلس الأمن القومي الاميركي: خطوطا واضحة لتحقيق أهدافها، وبمعني أدق: ما هي الخطوط الحمراء التي إذا تجاوزتها إيران، يتم التعامل معها عسكريا فورا ودون إنذار مسبقquot;.
[email protected]


.