ما بين إعلان نائب رئيس الجمهورية السابق الانسحاب من سباق الرئاسة والعدول عن القرار والعودة مرة أخري للمنافسة، تفاصيل كثيرة. وما بين زيارة اللواء عمر سليمان للمملكة العربية السعودية في موسم الحج، والهجوم الصاروخي الذي انطلق من سيناء علي quot; إيلات quot; الإسرائيلية أول أمس خيط رفيع. المبررات التي ساقها رئيس المخابرات المصرية السابق لانسحابه هي : أن شخصية عسكرية بارزة (المشير طنطاوي) لا توافق علي ترشحه، وفي وقت سابق أعلن سليمان أنه يخشي علي حياته في حال ترشحه ... فما الذي تغير حتي يعدل عن قراره ؟ هل وافق المشير أم أنه أطمأن علي سلامته؟ أم أن للقصة وجوه أخري؟

في أحدث بيان نشرته صحيفة الأهرام قال سليمان لأنصاره : quot; لقد هزتني وقفتكم القوية واصراركم علي تغيير الأمر الواقع بأيديكم، ان النداء الذي وجهتموه لي هو أمر، وأنا جندى لم إعص أمرا طوال حياتي، فإذا ما كان هذا الأمر من الشعب المؤمن بوطنه لا أستطيع إلا أن ألبي هذا النداء وأشارك في الترشح، رغم ما أوضحته لكم فى بياني السابق من معوقات وصعوباتquot;.
معروف أن أكثر من 30 من أعضاء البرلمان أعلنوا تضامنهم وتأييدهم لسليمان، وأن التوكيلات قد تجاوزت الحد المطلوب وهو الـ30 ألف توكيل له. وفي أحدث إستطلاع للرأي (يوم 6 إبريل) قامت به منظمة إتحاد المحامين للدراسات القانونية و الديمقراطية حول اختيار الرئيس المناسب لمصر في المرحلة الراهنة، حصل عمر سليمان علي 52% وعبدالمنعم أبو الفتوح علي 19% وعمرو موسي علي 15% وتوزعت نسبة 14% علي المرشحين الباقين، وأستبعد حازم صلاح أبو إسماعيل نظرا لان والدته تحمل الجنسية الأمريكية. أما السبب الرئيسي لاختيار سليمان ndash; كما قال المشاركون ndash; هو انه quot; رجل دولة quot; وليس ممثلا لإتجاه أو فكر سياسي معين، ورجل الدولة هو المطلوب الآن وليس المرشحين الآخرين لأن ولائهم لأفكار وتيارات وعقائد قد تمثل خطرا علي الدولة.
الانطباع الأول هو أن المجلس العسكري استطاع اللعب بهدوء ومهارة علي وتر الايقاع بالمرشحين الإسلاميين للرئاسة والكشف عن quot; علة quot; كل واحد منهم عند اللزوم وفي الوقت المناسب، لأن العقيدة السياسية منذ ثورة يوليو 1952 تتمثل في أمرين : الأول هو أن مصر لن يحكمها إلا أحد الضباط (ولعل هذا هو ما أسقط مبارك الذي انحاز لإبنه quot; جمال quot; علي حساب هذا المبدأ المقدس). الأمر الثاني هو أن العقيدة السياسية عند العسكريين تقوم علي الدفاع عن الوطن وليس الدفاع عن طائفة أو طبقة او قبيلة أو عقيدة، بينما معظم المرشحين (للأسف) يدافعون إما عن إيديولوجية معينة أو عقيدة دينية، وبالتالي يفرقون بين أبناء الوطن الواحد عن طريق التمييز بين العقائد .
الانطباع الثاني هو أن quot; عمر سليمان quot; رجل المخابرات الأول (إبن المؤسسة العسكرية) والذي تربطه علاقات وثيقة بالمملكة العربية السعودية (وليست قطر المتعملقة والداعمة للإخوان، خيرت الشاطر تحديدا) وإسرائيل وبالتالي الولايات المتحدة، أستطاع أن يناور علي ثلاثة محاور أساسية : الأول يتعلق بتهديد quot; حياته quot; وسلامته إذا ترشح للرئاسة (وهو أكبر فخ سيقع فيه الإسلاميين لا محالة) وربما نشهد (حادث المنشية من جديد). المحور الثاني هو رفع الحرج عن المؤسسة العسكرية تماما (بأنها تقف وراء ترشحه) والإيعاز بالخصومة التاريخية بينه وبين المشير طنطاوي. المحور الثالث (خارجي) وهو أن سيناء أصبحت مصدرا للتهديد المباشر علي إسرائيل، وأن الالتزام بإتفاقية quot; كامب ديفيد quot; للسلام في حال وصول الإسلاميين للحكم سيصبح في خبر كان، وهو ما يقلق أمريكا في العمق التي تتاهب للمعركة الفاصلة مع إيران، ولا يعقل عدم تأمين البوابة الجنوبية لمعركتها، ناهيك عن أن أيه تهديدات لإسرائيل من مصر قد تؤجل بداية هذه المعركة.
الانطباع الثالث هو أن مصر حبلي بصراعات دموية نتيجة لأخطاء قاتلة وقع فيها المجلس العسكري الحاكم علي امتداد أكثر من عام، في محاولته quot; عدم الحسم quot; وإظهار quot; الحياد اللا منطقي quot; والسعي إلي إرضاء كل الأطراف، إذ كيف يحكم (رجل الدولة) وفقا للدستور الديني وتشاركه في السلطة مؤسسات دينية؟ .. كيف يتعاون مع برلمان إسلامي منتخب وحكومة إسلامية وشيكة وقضاء في طريقه إلي التأسلم بالكامل؟ .. نحن أمام quot; مفارقة رهيبة quot; لم تشهدها مصر منذ تأسيس محمد علي للدولة المدنية الحديثة عام 1805، وأخشي أن يكون مصير (أي) رئيس قادم هو الفشل أو الاغتيال أو الاعتقال ... إلا إذا حدث (ما هو أسوأ) وهو الاعتداء الخارجي علي مصر ... وهذا لا يدخل في باب التكهنات أو التخمينات .. والأيام بيننا!
[email protected]