في ذكري مرور عام علي الانتفاضة السورية وتطلع المجتمع المدني في سوريا إلي مبادرات جادة من جانب واشنطن والعالم، أطلقت مجموعة بارزة في الكونجرس الأمريكي وبمبادرة من السيناتور quot;جون مكينquot; دعوة عاجلة اليوم لإدارة أوباما للتدخل العسكري الفوري من أجل وقف حمام الدم المرعب في سوريا.
في مقابلة مع كرم منشي quot; إذاعة العراق الحرquot; (العربية)، قال البروفيسور quot;وليد فارسquot; مؤلف كتاب quot;الثورة القادمةquot; ومستشار مجموعة الكونجرس النيابية: أنه ألتقي السناتور مكين في عطلة نهاية الأسبوع وبحث معه هذا الموضوع، خاصةٍ بعد الحملة الأمنية العنيفة بمشاركة الطائرات الحربية العامودية التي يشنها نظام بشار الأسد على الشعب السوري والتي تعتبر من quot; جرائم حرب quot;، ودون أن يتمكن المجتمع الدولي والتحالف الغربي والعربي والتركي والأميركي من عمل شيء.
المشكلة أن مساعدة واشنطن والعالم الحر للسوريين في انهيار النظام الديكتاتوري يجب أن تضمن أيضا عدم قيام نظام استبدادي آخر، ومن ثم يجب أن يكون التدخل العسكري الأمريكي (محدودا) وأن يأخذ في الحسبان المشاركة مع القوى الديمقراطية داخل المعارضة السورية التي تريد إقامة نظام سياسي وإنساني تعددي في سوريا، وحتي لا تتحول المعارضة إلى مليشيات مسلحة تهدد المجتمع المدني السوري فيما بعد، وأن تستفيد من الدروس المستخلصة من أحداث المنطقة، وما سُمي بـquot;الربيع العربيquot;.
الدعوة التي أطلقها السيناتور مكين وسانده فيها عدد من أعضاء المجلس النيابي في الكونجرس الأمريكي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي وبعض المستقلين، استندت أيضا إلي ما قام به التحالف الغربي في ليبيا، من أجل ردع النظام السوري من الاستمرار في الأعمال الأمنية ضد المواطنيين.
كلام quot; فارس quot; ودعوة quot; مكينquot; تستند - في تصوري ndash; إلي مبدأ هام من مبادئ السياسة الدولية المعاصرة، هو: أن quot; المشروعية quot; تعلو على quot; الشرعية quot; في النظام الدولي في الألفية الثالثة، وأن اختيار الغاني quot; كوفي عنان quot; (تحديدا) من قبل الأمم المتحدة لهذه المهمة الخطيرة يؤكد ذلك، فقد تولى عنان منصب الأمين العام للأمم المتحدة لفترتين منذ عام 1997 حتى عام 2006 عندما عين الكوري الجنوبي بان كي مون خلفاً له، ونجح في مهمته السابقة كوسيط لإنهاء النزاع الدموي في كينيا في عام 2008.

كوفي عنان الذي استلم المنظمة الأممية دشن عهدا جديدا في السياسة الدولية، وبدأ رئاسته بهذه العبارة: quot;إن السيادة الوطنية لها حدود وإن التدخل قد يقع للتصدي لانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، كما أن فكرة السيادة المطلقة لم تعد أمرا مقبولا في زمن العولمة، وأن ما كان يعتبر شأنا داخليا محضا في الماضي أصبح شأنا دوليا وإنسانيا .quot;
لكن أهم ما قاله عنان هو: quot; إن مفهوم سيادة الدولة يمر بعملية تحول كبرى، وأن الدول ينظر إليها اليوم باعتبارها (أدوات) في خدمة شعوبها وليس (العكس)، ومن ثم فإن هناك حاجة لإعادة تعريف المصلحة الوطنية بشكل يتسق ومتطلبات القرن الحادي والعشرين .quot;
ففي عام 1999 صدر تقرير دولي عن الأمم المتحدة، دشن مرحلة جديدة في النظام العالمي، جاء فيه: quot; إن التدخل العسكري يمكن أن يصبح ضروريا لمنع عمليات إبادة جماعية أو (تطهير عرقي ndash; ديني) واسع النطاق أو طرد قسري أو ترويع واسع المدي أو اغتصاب مدنيين. quot;
جاء هذا التقرير بعد خمس سنوات من المجازر، في رواندا بوسط أفريقيا عام 1994، ولم يحرك المجتمع الدولي وقتئذ ساكنا، باستثناء دراسة مهمة بعنوان laquo;مسؤولية الحمايةraquo; صدرت برعاية الحكومة الكندية، وكانت محور النقاش الذي تفجر مع افتتاح كوفي عنان لدورة الجمعية العامة للمنظمة الدولية عام 1999 بشأن ما يتعين عمله، عندما لا تستطيع حكومة ما حماية مواطنيها أو ترفض حمايتهم.
وعلى الرغم من أن أول مقولة موثقة لعالمية حقوق الإنسان، أو قل حق التدخل (لأسباب) إنسانية وجدت في كتابات جروتيوس عام 1625، الذي افترض حق التدخل لمنع المعاملة القاسية من قبل دولة ما لرعاياها، فإن هذا المبدأ قد همش منذ القرن السابع عشر ليعود بقوة كالروح المستحضرة في نهاية التسعينيات من القرن العشرين، ويصبح أهم آليات تطويع القانون الدولي لتتوافق مع واقع توزيع القدرات في النظام الدولي الجديد.
الجديد في الأمر هو أن مبدأ حق التدخل لأسباب إنسانية قد أسقط تماما الفقرة الأولي من المادة 53 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على: quot; عدم القيام بأي فعل إكراهي سواء تحت ترتيبات إقليمية أو منظمات إقليمية دون موافقة مجلس الأمن quot;، فقد تدخل حلف الناتو في كوسوفو عام 1999، وتدخلت بريطانيا في سيراليون عام 2000 دون موافقة مجلس الأمن، أما (ليبيا) وما حدث ويحدث فيها فليس بعيدا عن الأذهان، ليبدأ عهدا جديدا يؤكد أن (المشروعية) تعلو على (الشرعية) في التدخل الخارجي في القرن الحادي والعشرين.
[email protected]