حوار الرئيس أوباما (الاستباقي) في مجلة quot;ذي اتلانتيك منتليquot; أمس الجمعة، لا يهدف إلي quot;طمأنةquot; إسرائيل بشأن الملف النووي الإيراني، وإنما إلي quot;تحذيرquot; رئيس الوزراء نتانياهو قبل زيارته لأمريكا من فتح هذا الملف أصلا أو ممارسة أية ضغوط علي واشنطن لشن هجوم عسكري علي المنشآت النووية الإيرانية.
قبل عشرة أيام كتبت مقالا في إيلاف بعنوان quot;مصالح أمريكا مع الإسلاميين وليس إسرائيلquot; اضغط هنا
أكدت فيه علي تبدل المواقف (التكتيكية) للولايات المتحدة بشأن quot;القضية الإيرانيةquot;، وأنه منذ الآن فصاعدا سوف ينظر إلي quot;إيران النووية باعتبارها quot;مشكلة إسرائيليةquot; أساسا. وحسب quot;ايتامار رابينوفيتشquot; سفير إسرائيل الأسبق في الولايات المتحدة (1993-1996)، فإن: quot;... الطموحات النووية الإيرانية لا تفرض خطراً يهدد وجود الولايات المتحدة. وإذا كان بوسع واشنطن أن تتعايش مع الاتحاد السوفييتي النووي، والصين النووية، بل وحتى كوريا الشمالية النووية، فهي قادرة على التعايش مع إيران النوويةquot;.
لكن يبدو أن هذا التحول هو جزء من حزمة كاملة من التحولات الاستراتيجية الامريكية في القرن الحادي والعشرين، فقد أدى استخدام روسيا والصين حق النقض أو quot; الفيتو quot; في مجلس الأمن الدولى ضد مشروع قرار يدين القمع الدامى فى سوريا، رغم تصويت الدول الأعضاء بأكثرية 13 دولة من أصل 15 على مشروع القرار، أدى إلى quot;شلل المجتمع الدوليquot; حسب تعبير وزير الخارجية الفرنسي quot;آلان جوبيهquot;، وبدأ يطفو علي السطح (صراع آخر) له تبعات مأساوية علي العالم كله، حيث تتخذ العلاقات بين القوى العظمى في العالم (الولايات المتحدة وروسيا والصين)، منعطفاً خطيراً نحو الأسوأ.
وتعمقت الصراعات فجأة وبسرعة أزيد من اللآزم، وكأننا على حافة حرب باردة جديدة، أو بالأحرى، حرب quot;عسكريةquot; بين القوى العظمى. وبعبارة واحدة: فقد أنهي quot;الفيتوquot; الروسي ndash; الصيني مرحلة كاملة من مراحل العلاقات الدولية التي بدأت مع انهيار الاتحاد السوفييتي السابق وتميّزت بالهيمنة الأميركية المطلقة على العالم، لتبدأ مرحلة جديدة هي في طور التشكل الآن (لا تحتمل) أية quot;مجازفةquot; أو quot;مخاطرةquot; غير محسوبة في الشرق الأوسط، وبالتالي (أية صغوط إسرائيلية علي الولايات المتحدة لضرب إيران).
أضف إلي ذلك أن إعلان إيران استعدادها لدخول الحرب إلى جانب سوريا إذا اقتضى الأمر ذلك، يعني أن روسيا والصين وسوريا وإيران، شكلوا محورا جديدا يقف في مواجهة العالم الغربي والناتو ودول الخليج، ويعتبر quot;الملف النووي الإيرانيquot; ما هو إلا ذريعة يستخدمها الغرب للتأثير على (ميزان القوى في الشرق الأوسط)، حيث الضغط المتواصل على سوريا وإيران معا، بالتوازي والتقاطع، قد (يخلخل) هذا المحور الذي هو (في طور التكوين) وقد تنجح هذه الضغوط في سوريا أولا مما يساعد الغرب على توجيه ضربة عسكرية ضد إيران لاحقا.
إسرائيل وعلي العكس تماما من هذه الرؤية الاستراتيجية الأمريكية، تري أن سقوط النظام السوري أولا ستترتب عليه نتائج كارثية، أقلها وقوع الأسلحة التي يمتلكها، بما فيها الصواريخ المضادة للطائرات في أيدي حزب الله وغيره من المنظمات الإسلامية الراديكالية وفي مقدمتها quot; تنظيم القاعدة quot;، وهو ما يجعلها تلح علي ضرب إيران أولا، بينما تمثل الإطاحة بنظام الأسد أولا -الحليف القوي لنظام الملالي- قبل ضرب إيران، أمرا في غاية الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة والناتو ودول الخليج.
أوباما في حواره مع مجلة quot;ذي اتلانتيك منتليquot; قطع الطريق علي نتانياهو واللوبي التابع لإسرائيل في أميركا (محذرا) من محاولة دفع الولايات المتحدة إلى خدمة مصالح إسرائيل بدلاً من خدمة مصالحها الخاصة، وهو تحول جديد إذ أنه لأول مرة في تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل تتوزاي المصالح ولا تتقاطع بين البلدين، ويحمل رئيس أمريكي رئيس الوزراء الإسرائيلي (شخصيا) مسئولياته عن حماية الإسرائيليين في quot; بيئة معادية quot;.. وأن عليه كقائد وحامي لبلده أن يدرك كلفة أي عمل عسكري والنتائج المحتملة بجدية كبيرة.
عصام عبدالله
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات