النظام الحاكم في مصر مثل النظام الحاكم في سوريا.. كلاهما يؤمن (بنظرية المؤامرة) ويتهمان (جهات خارجية) بإثارة الفوضي في الداخل لإسقاط النظام القائم. النظامان لا ينتميان إلي الألفية الثالثة وإنما هما من (حفائر) القرن الماضي حين أحتكرت (الدولة القومية المستبدة) العنف في الداخل والخارج (الشرطة والجيش).
البداية quot; تفكيك المؤسسة العسكرية quot; في سوريا تليها مصر (مبارك مجرد عنوان لنظام كامل لم يسقط بعد). العسكري لم يستوعب الدرس حتي بعد (فوات الأوان) وركوب الإخوان والسلفيين للبرلمان!.
دور المؤسسة العسكرية الوطنية (تجاوزا) أنتهي دون رجعة، العالم دخل مرحلة جديدة (عابرة للأوطان) ومحطمة لها، ولا يوجد أفضل من الإسلاميين الآن لتغيير الأنظمة القديمة في الشرق الأوسط. لأن أيديولوجيتهم علي النقيض من كل ما هو قومي له حدود جغرافية معروفة، لذلك إما أن تتفكك جيوش المنطقة وتندمج في حلف عسكري أكبر وأوسع من الحدود الضيقة للدولة القومية وإما أن تنقرض كالديناصورات، حتي أجهزة الأمن الداخلي (الشرطة) سيتم تفكيكها بالكامل لتبدأ مرحلة الأمن العالمي الخاص، وربما (دمر) العسكر في مصر عن قصد كل (أجهزة الشرطة) - ليس تماشيا مع المنظومة العالمية الجديدة - وإنما ليحتكر (وحده) العنف ويستأثر بالسلطة، لكن فاته أنه كان ينفذ (دون وعي) ما كان مرسوما ومخططا من فوق، وأن (الدور) جاء عليه الآن، وهنا (مكمن) الفوضي العارمة في داخل مصر، و(جوهر) الصدام الحقيقي مع الولايات المتحدة.
في ظل تصاعد الغضب والاحتقان الداخلي والذي وصل إلي حد (العصيان المدني) و(الضغط الأمريكي) المتواصل، لم يعد أمام المجلس العسكري إلا استغلال المزاج الشعبي المعادي لأمريكا (وربما إسرائيل لاحقا) والترويج لفكرة التدخل الخارجي للمنظمات غيرالحكومية في شئون السيادة المصرية، ثم إعلان (الأحكام العرفية) ليتهرب من استحقاقات نهاية المرحلة الانتقالية وتسليم السلطة للمدنيين، للأسف (الزمن غير الزمن)، ولا تستطيع ndash;أمريكا نفسها ndash; أن تقف في وجه (موجات العولمة) أو الشركات العابرة للقوميات والمنظمات غير (الدولتية) التي أصبحت لاعبا أساسيا في النظام الدولي الجديد.
المجلس العسكري علي شفا الانحدار والاندحار (لقصور داخلي مزمن).. بعد أن أفتعل كل المعارك الزائفة (واستباح دماء المصريين علي مدي عام كامل) ليصرف الأنظار عن المعارك الحقيقية، والقضايا الداخلية الساخنة والوضع السياسي - الاقتصادي والأمني المتردي. ولم يكتف بذلك وإنما لجأ إلي التصعيد الدبلوماسي مع دول العالم (الولايات المتحدة ودول الخليج) حتي يغطي عوراته وكوارثه المشينة وآخرها quot; مجزرة بور سعيد quot;.
ذكاء المصريين لا يقابله إلا غباء من يحكمهم.. وسخريتهم اللاذعة - سلاحهم التاريخي - لا يضاهيها إلا بلادة وسماكة جلود طغاتهم، الذين لا يهمهم المصريين ولا أمنهم ولا أمانهم ولا حياتهم، (فقط) أمتيازاتهم الاقتصادية وحصانتهم السيادية وسلطاتهم (فوق) الدستورية.. الموازنة الفعلية للجيش بين 10 - 14 مليار دولار سنويا، ولا تشكل المعونة الأمريكية منها سوي 1.3 مليار دولار.. وهو رقم أصبح أكبر من اللازم (يعادل ميزانية الصين) مع نهاية الحروب التقليدية وتآكل الدول القومية ونهاية السيادة القطرية.
علي مواقع التواصل الاجتماعي أنتشرت بعض العبارات (استيكرات) التي تعبر عن المزاج العام للمصريين، الساخر والمعارض لحكم العسكر والرافض لنزول المدرعات إلي الشوارع بحجة حماية مؤسسات الدولة من الفوضي قبل العصيان المدني يوم 11 فبراير 2012:
المدرعة دى طاهرة عمرها ما نزلت فى مظاهرة
الثورة صابتنى ومكتب الإرشاد نجانى
يا بلطجى يا قاسى المدرعة مافيهاش كراسى
الخرطوش اللى ما يصيبش يدوش
متبصليش بعين راضية.. دى فلوس المعونة الأمريكية
لا تقولى نانى ولا سوسو.. اللى هيقرب منى هدوسه
احترس الدهس متكرر
لكن هذه الاستيكارات الساخرة تهون أمام الخبر الذي نشره موقع الأهرام الألكتروني : منظمتي quot; الدبدوب الدولي quot; وquot; سهم الثقة 7 أبريل quot; تخططان لـ quot; تقسيم مصر quot;... عليك أن تستنتج عزيزي القارئ مدي الاستهانة بعقول المصريين، ناهيك عن المستوي (الثقافي والمهني) المتدني الذي وصل إليه حال القائمين علي أمر البلاد في هذه المرحلة (الانتقامية)، العسكري (شيطن) quot; الثوار quot; وقتل من يستحق أن يعيش من شباب مصر الأحرار، وأطلق سراح من لا يستحق أن يوجد أصلا لأنه عالة علي الإنسانية والحضارة، وكأن العسكري ndash; كما يقول الناشط السياسي quot; أحمد دومة quot; الذي يحاكم الآن - لديه (تار بايت) مع الثوار، وأسألوا الرائعين quot;: أحمد حرارة وعلاء عبدالفتاح ونوارة نجم والألتراس الأهلاوي.
لذلك لم أندهش من استدعاء المجنى عليهم في مذبحة ماسبيرو (9 أكتوبر 2011) قبل العصيان المدني بيومين فقط (9 فبراير 2012) للتحقيق معهم : القمص متياس نصر والقس فلوباتير جميل والقيادي رامي كامل والمستشار نجيب جبرائيل وغيرهم، فى حين أن الجناة الحقيقيين هم من يحكمون البلاد ويواصلون جرائمهم ضد المصريين جميعا.
لم يتحرك العسكري بمدرعاته ليفرض هيبة الدولة و(سيادة القانون) ويوقف مهزلة quot; تهجير quot; ثماني أسر قبطية (مصرية) من العامرية بالأسكندرية، تنفيذا للأحكام العرفية التي فرضها السلفيون كنوع من العقاب الجماعي للاشتباه في علاقة (رجل مسيحي وأمرأة مسلمة)، ولم يناقش رئيس مجلس الشعب الإخواني الدكتور سعد الكتاتني الطلب الذي تقدم به النائب الدكتور عماد جاد بخصوص هذه الكارثة التي تستخدم دوما كذريعة لتهجير الاقباط وتركهم لأملاكهم ومنازلهم.
العصيان المدني الذي يعرفه المصريون جيدا ومارسوه بإقتدار منذ الملك رمسيس الثالث (قبل أن تظهر أمريكا) مرورا بثورة 1919، هو مخاض ميلاد مصر (المدنية الجديدة) في القرن الحادي والعشرين، وهو مخاض عسير وطويل آلامه مبرحة.. لكن المولود الجديد يستحق.. وأكثر.


[email protected]