إعلان الدكتور محمد البرادعى انسحابه من سباق الترشح للرئاسة خسارة quot;محسوبةquot;، لأنه كان ndash; ولا يزال - من أكثر الشخصيات المؤهلة لقيادة مصر فى هذه الفترة الحاسمة من تاريخها، رغم كل الاتهامات والإساءات التي نالت منه، ووصلت إلي مستوي quot;متدنيquot; من تشويه سمعته والتعريض ببعض أفراد أسرته، قبل وبعد ثورة 25 يناير، من النظام السابق للرئيس مبارك وامتداداته مع العسكر.
انسحاب البرادعى جاء نتيجة لقناعته ndash; علي حد قوله - بعدم وجود مناخ مناسب فى مصر يشجعه على استكمال مسيرة الثورة، ومن الطبيعى أن أى شخص لديه ذرة من الكرامة واحترام الذات، وتم تجريحه وإهانته بهذه الطريقة سيفعل مثله ويحذو حذوه.
هذا الانسحاب ndash; علي اختلاف التفسيرات والتأويلات - يحمل quot;إدانةquot; قوية لسياسات المجلس العسكرى الحاكم، باعتباره المسئول المباشر عن تردي الأوضاع في مصر وتنكبها عن المسار الديمقراطي الليبرالي في هذه المرحلة الانتقالية، ومناصرته لفصيل واحد من الشعب (الإسلاميين)، ووقوفه ضد القوي المدنية في المجتمع وتحديدا (الشباب) الذي قاد ثورة 25 يناير، وبالتالي فإن هذا الانسحاب ndash; بالمعني التفكيكي الدريدي ndash; قد يكون quot;حضوراquot; كثيفا في قلب المشهد الثوري، ودعوة quot;تحريضيةquot; علي استكمال الثورة، انطلاقا من أن (الشعب كله) ndash; خاصة الشباب - هو الذي يملك القدرة على التغيير.
في أحدث فيديو بثه البرادعي علي اليوتيوب، كشف بوضوح عن أن quot;الانسحابquot; هو أنسب وسيلة تمكنه من المساعدة فى بناء مصر، من خلال العمل خارج الإطار الرسمى، وعدم الترشح لأى منصب حتي ولو كان رئيسا للدولة المصرية ndash; مؤكدا أنه نجح بهذا الأسلوب (مع الشباب) قبل الثورة وأيضا سينجح بعدها ndash; لأن عدم التقيد بإلتزامات معينة يساعده على المرونة والقدرة على التغيير بطريقة أكثر حسمًا.
فك quot;لغزquot; انسحاب البرادعي يمكن أن يساعدنا ndash; مؤقتا - في الإجابة عن هذا السؤال : هل سيحتفل المصريون (بعد أيام) بالعام الأول لبداية الثورة أم بالذكري السنوية الأولي لوفاتها؟.. فقد شهدت الشهور القليلة الماضية صراعا مكتوما بين الإدارة الأمريكية والعسكر من جهة، وبين العسكر والتيار الديني خاصة الإخوان المسلمين من جهة أخري، كلمة السر فيه هي (البرادعي).
قبل أيام أنفجر هذا الصراع في وجه الجميع (وعلي عينك يا تاجر) في وسائل الإعلام، فقد كانت quot;وثيقة المبادئ فوق الدستوريةquot; ثم quot;وثيقة السلميquot; محاولة لإحتفاظ العسكر بجزء أكبر من السلطة quot;المحصنةquot; ومشاركة الإخوان المسلمن في الحكم من (أعلي)، وهو ما رفضه الأمريكان والإخوان معا. أعقب ذلك حملة العسكر ضد الشباب المدنيين (وليس الإسلاميين) من نشطاء الحركات quot;الثوريةquot; المختلفة، فضلا عن اتهام العسكر لمنظمات المجتمع المدني بتلقي quot;تمويل أجنبيquot; من الخارج (الولايات المتحدة) لضرب استقرار مصر... كل هذه المحاولات والتحركات كانت جزءا من (فلفصة) العسكر من رغبة الأمريكان في تسليم الحكم للإخوان المسلمين، واعتراضهم أيضا علي quot;تفضيلquot; الأمريكان لترشيح الدكتور البرادعي رئيسا لمصر.
أضف إلي ذلك عداء الإخوان المسلمين المستحكم للبرادعي، الذي يرفض فكرة انتخاب الرئيس القادم قبل إعداد الدستور، والتوافق عليه من قبل كل القوي الوطنية أولا، ووقوفهم ضد ترشيحه رئيسا لوزراء مصر بدلا من الدكتور كمال الجنزوري، تحقيقا لمطالب شباب الثورة والقوي العلمانية والليبرالية، وهو ما أمتثل إليه العسكر في نهاية المطاف، وكأنهم يقفون علي نفس أرضية الإخوان وليس علي أرضية الميدان (ميدان التحرير).
توقيت إنسحاب البرادعي، قد يعني أيضا رفضه الاستمرار في هذه اللعبة الخطرة بين (الأمريكان والإخوان والعسكر) التي ستدفع بمصر إلي هوة العصور الوسطي المظلمة، وهو الرد السريع (لا المتسرع) علي تصريحات الرئيس الأمريكي الأسبق quot;جيمي كارترquot;: أن العسكر لن يتخلوا عن السلطة كاملة، في نفس التوقيت الذي التقي فيه معظم التيارات الدينية، ناهيك عن اللقاءات السرية والمعلنة بين المسئول الثاني للخارجية الأمريكية quot;وليام بيرنزquot; ثم نائب وزيرة الخارجية الأمريكية quot;، وقبلهما السيناتور quot;جون كيريquot; رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكي مع الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب quot;الحرية والعدالةquot;.
في تصوري أن انسحاب البرادعي محسوب ومدروس، وهو يحتفظ له بالمنطقة الرمادية التي تضمن دخوله إلي الملعب في الوقت المناسب، كما أنه يساعد علي رأب الصدع بين العسكر والإخوان والإدارة الأمريكية بضربة واحدة، ويحصر المنافسة بين ثلاثة مرشحين للرئاسة: الأول مدعوم من العسكر والثاني مدعوم من التيار الديني (الإخوان والسلفيين)، والثالث يتوافق عليه العسكر والإخوان معا.... تري عزيزي القارئ: هل توجد علاقة بين انسحاب الدكتور البرادعي من سباق الرئاسة، ودخول الفريق أحمد شفيق إلى مضمار السباق quot;بقوةquot;؟
- آخر تحديث :
التعليقات