في دير السيدة العذراء (البراموس) في وادي النطرون، طريق القاهرة - الإسكندرية الصحراوي (براموس كلمة قبطية معناها الخاص بالروم)، توجد صورة محفورة ليوحنا المعمدان مكتوب تحتها: quot; الرجل الذي آثر أن يعيش بلا رأس علي أن يعيش بلا مبدأ quot;. لم يكن المعمدان مضطرا لمجاملة الملك هيرودس في quot; الحق quot;، بل quot; ثار quot; و quot; ثأر quot; للحق، وقال كلمة (لا) الخالدة في وجه الملك الظالم، ونال ما نال من سجن وتعذيب ثم قطعت رأسه ثمنا لإعجاب الملك برقصة سالومي تحقيقا لوعده لها.
Telling The Truth is Revolutionary
هذا المثل الشهير في اللغة الإنجليزية، يعني أن: quot; قول الحقيقة هو عمل ثوري quot;، فالكلمة هي quot; فعلquot;: يحرر.. يغير.. يطهر.. يجدد.. يثور، وليس مصادفة أن تجتمع الكلمتان: quot; التثوير quot; وquot; التحرير quot; في قلب كلمة quot; الحق quot;، التي ينطق بها كل ثائر شريف في كل زمان ومكان.
في ميدان التحرير الذي شهد ndash; ومايزال ndash; أحداث ثورة 25 يناير 2011 وتوابعها، توجد كنيسة quot; قصر الدوبارة الإنجيلية quot; إحدي علامات هذه الثورة وأسباب نجاحها، فهي ترمز للوحدة بين المصريين (مسيحيين ومسلمين وبهائيين ولا دينيين)، حيث تناوب القس الدكتور سامح موريس والشيخ مظهر شاهين إمام مسجد عمر مكرم الملاصق للكنيسة، طيلة أيام الثورة (18 يوما) وما بعدها من فوق منصة التحرير، الخطابة الحماسية وإقامة الصلوات وترديد الشعارات وأشهرها: quot; مسلم مسيحي.. أيد واحدة quot;، quot; حق مريم زي فاطمة.. هي دي تبقي المواطنة quot;.
كنيسة التحرير أو quot; قصر الدوبارة quot; أستقبلت ليلة عيد الميلاد المجيد quot; ثوار quot; مصر الأحرار ونجوم المعارضة الوطنية من الكتاب والفنانيين والإعلاميين والسياسيين والنشطاء الحقوقيين، وفي مقدمتهم quot; الثائر quot; (أحمد حرارة) الذي فقد عينه اليمني يوم 28 يناير علي أيدي quot; شرطة quot; العادلي ثم فقد عينه اليسري يوم 19 نوفمبر علي أيدي quot; عسكر quot; طنطاوي، وكأن النظام القديم هو هو نفسه الذي يحكم مصر، فليس معني تنحي مبارك وتسليم سلطاته للعسكر أن quot; المباركية quot; نفسها أنتهت.
المباركية تتمركز الآن في quot; ميدان العباسية quot; حيث تقع الكاتدرائية المرقسية (للأقباط الأرثوذكس) ووزارة الدفاع (مقر المجلس العسكري الحاكم) ومستشفي المجانين ndash; أي والله. ميدان العباسية الذي تصنع فيه المظاهرات المؤيدة للعسكر منذ شهرين فقط، حل محل quot; ميدان مصطفي محمود quot; رمز الثورة المضادة وتجمع الفلول المؤيدة لمبارك، شهد أول أمس أكبر تجمع لرجال الدولة الرسميين من عسكر ومدنيين ورجال دين وإخوان مسلمين وسلفيين وغيرهم، لتهنئة البابا شنودة الثالث بعيد الميلاد.
في ليلة عيد الميلاد ذاتها، علا التصفيق في الميدانيين: quot; التحرير quot; وquot; العباسية quot;، وشق عنان السماء وأيقظ سكون الليل، لكن التصفيق في التحرير كان (بطعم الكرامة) بينما كان التصفيق في: العباسية (ممزوج بالمهانة). فالتصفيق الذي ناله الثائر quot; أحمد حرارة quot; داخل كنيسة quot; قصر الدوبارة quot; أوجع قلوب المصريين جميعا، لدرجة أن المذيعة ريم ماجد لم تستطع أن تغالب دموعها، بينما استنكر معظم المصريين الشرفاء quot; تصفيق الحضور quot; لمشاركة العسكر في قداس الميلاد بالكاتدرائية، وكان العنوان الذي تصدر موقع quot; البديل quot; الالكتروني: (يقتل القتيل ويبوس قداسته!)، حيث شارك قائد الشرطة العسكرية المتهم في مذبحة ماسبيرو ومجزرة التحرير.
بعض شباب أتحاد ماسبيرو أصروا علي حضور القداس في الكاتدرائية، رافعين لافتات quot; لا تهنئة قبل القصاص quot; وصور الشهداء من المسلمين والمسيحيين، وقاطعوا البابا بشكل quot; محرج quot; وهو يشكر المجلس العسكري، هاتفين: quot; يسقط يسقط حكم العسكر quot;، وكان جزاؤهم علقة ساخنة من رجال الأمن، مما أضطر قداسته أن يرفع نبرة صوته المنهك أصلا للغلوشة علي quot; حق الثوار quot; (يا خسارة).
من ايجابيات ثورة 25 يناير 2011 أنها أخرجت الشباب القبطي من عزلته واستكانته، وشجعته علي الاهتمام بالشأن العام بعد أن ظل عقودا أثير المطالب الطائفية الضيقة، ليصبح رأسا للحربة داخل القوي الثورية في النضال الوطني العام ويستشهد ويصاب ويسحل في ميادين وشوارع مصر المواطنة، والحرية والكرامة.
العسكر الذين ذهبوا للكاتدرائية بالعباسية بصحبة الإخوان والسلفيين، يعلمون أن quot; تسييس الدين quot; مهما الآن للسيطرة علي الجماهير الثائرة، بعد أن فشلت كل أدوات العنف وآلياته من شرطة وعسكر وبلطجية، في ماسبيرو وميدان التحرير وشارع محمد محمود والقصر العيني والوزراء. وأن أقصر الطرق وأنجحها في تغييب الناس عن الأطماع في السلطة والمطالب الضرورية الحياتية المباشرة هو quot; الهوس الديني quot;، لذا فإن التضامن بين (السلطة) و(الدين) يصبح فرض (عين)، حتي لو فقأت (عيون) كل الثوار عقابا لهم علي قول quot; الحقيقة quot;!
[email protected]