الأساليب قمعية التي أتبعتها معظم دول العالم لتقييد الحريات هذا العام، تكاد أن تكون quot;نسخة كربونيةquot;، هذا ما خلص إليه التقرير السنوي لمنظمة quot;فريدوم هاوسquot; حول وضع الحرية في العالم، والمعنون، quot;2011: عام تراجع الحريةquot;.
في هذا التقرير الذي يصدر للعام السادس علي التوالي، ويقيس قدرة المواطن على ممارسة الحقوق السياسية والمدنية في 195 دولة و14 كيانا حول العالم، تشير الأحصائيات إلي أن: شعوب 26 دولة عانت من تراجع الحرية في مقابل 12 دولة شهدت تحسنا، وردود أفعال عنيفة وأحيانا دموية مع الثوار والمتظاهرين في الشرق الأوسط، والأنتفاضات والاعتصامات في الصين وبريطانيا وأثينا ونيويورك ومدريد.
ومع ذلك فإن التقرير يؤكد علي أن العالم العربي قد شهد عام 2011 تحسنا ملحوظا في حرية التعبير والحق في التظاهر بعد سنوات طويلة من الركود، وحسب جريدة (الأندبندنت): فإن هذه المكاسب الجديدة يمكن ان تتحول في تونس ومصر الى انتكاسات كارثية في المستقبل، وأكبر المخاطر عالميا هي في (مصر)، كما يقول quot; إرك بدنجتون quot;، نائب رئيس منظمة quot; فريدوم هاوس quot; لشؤون الأبحاث.
العام 2011 شهد ميلاد الدولة quot;القمعيةquot; في العالم، حيث أندلعت موجات من الاحتجاجات المتلاحقة، ومن المتوقع أن تستمر quot;مركزية القمعquot; من أعلي إلي أسفل وبكثافة غير مسبوقة في العام 2012 أيضا، بالتزامن مع سن المزيد من القوانين المقيدة للحريات والصارمة في العالم المتقدم والنامي أيضا، وردود أفعال قوية من المحتجين والمتظاهرين وأنصار حقوق الإنسان والمجتمع المدني.
quot;ناعومي وولفquot; الكاتبة والناشطة الأمريكية في مجال حقوق المرأة وصاحبة كتاب quot;أسطورة الجمالquot; الأكثر مبيعاً، والتي ألقي القبض عليها مؤخرا في نيويورك وهي تشارك رفقائها في مظاهرات quot;احتلوا وول ستريتquot;، تؤكد علي تزايد أساليب quot;القمعquot; وارتفاع معدلاته بنسب غير مسبوقة في الدول الديمقراطية (الراسخة) مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة، ففي المملكة المتحدة يمارس رئيس الوزراء quot;ديفيد كاميرونquot; بشكل روتيني الطعن في قوانين حقوق الإنسان، وفي أعقاب اندلاع الاحتجاجات المناهضة للتقشف في أوائل عام 2011، والتي تلتها أحداث شغب في بعض المدن الكبرى في أغسطس الماضي، طالبت شرطة العاصمة بالحصول على السلطات التي تخولها مراقبة حسابات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة والهواتف الذكية.
وفي الولايات المتحدة ndash; حسب وولف - استن الكونجرس في ديسمبر 2011 قانون تفويض الدفاع الوطني الذي يسمح للرئيس بتعليق الإجراءات القانونية المتبعة في التعامل مع مواطني الولايات المتحدة، وبالتالي احتجازهم إلى أجل غير مسمى، وتسليمهم للتعذيب.
الشئ نفسه تتبناه الديمقراطيات المتقدمة في أوروبا التي تستنسخ نفس القوانين تقريبا، مع تطوير تكتيكات وأدوات العنف ضد المحتجين والمعارضين حيث يشهد العالم حاليا تناميا لحركة quot;عولمة المرتزقةquot; المأجورين التي تهدف إلي قمع الاحتجاجات الشعبية العالمية، لأنه من السهل توجيه بنادق وهراوات الغرباء والأجانب ضد المواطنين الأصلاء مقارنة بالشرطة أو القوات المسلحة الوطنية.
ومؤخراً نقل quot;إيريك برنسquot;، رئيس مؤسسة quot;أكاديميquot; الأسوأ سمعة على الإطلاق (والتي كانت معروفة سابقاً بخدمات quot;زيquot;، وقبل ذلك عرفت باسم quot;بلاكواترquot;)، نقل نشاطه إلي دولة خليجية، في حين تم تجنيد أعداد كبيرة من المرتزقة من باكستان لإرسالهم إلى البحرين، حيث قوبل المتظاهرون بدرجات متزايدة من القمع العنيف.
في المقابل أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي علي الانترنت نشوء تجمعات أكثر عددا وأفضل تنسيقاً، ونشر الأخبار بسرعة أكبر دون تنقيح من جانب وسائل الإعلام الرسمية، ومن ثم نشر quot;الغضبquot; والاحتجاج والتظاهر عالميا، حيث تمثل كل موجة مظاهرات في بلد ما (إلهاما) لموجة أخري في بلد آخر، وكما لاحظ الصحفي الأمريكي المخضرم quot;توماس فريدمانquot; فقد كان بعض المتظاهرين الإسرائيليين يحمل لافتة مكتوبا عليها quot; سيروا علي نهج المصريين quot;، وكأن التكنولوجيا الحديثة أصبحت quot;الوسيلة المثليquot; للاحتجاجات الاجتماعية وليست سببا لها، فهي التي اشعلت الثورات في العالم العربي في العام 2011 ضد الاستبداد السياسي، وفي اسرائيل وأسبانيا واليونان والولايات المتحدة وبريطانيا وموسكو، ضد البطالة وتدني الأجور وكافة الآثار السيئة للعولمة الاقتصادية المتوحشة.
[email protected]