في خضم الأحداث المأساوية التي حفلت بها quot; جمعة النهاية quot; كما أطلق عليها الإسلاميون، خاصة في ميدان quot; العباسية quot; وما حوله، صرح كل من السيناتور جون كيرى ووزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون: أن العسكرى سيسلم السلطة في الموعد المحدد، ولن يؤجل الانتخابات الرئاسية فى مصر... من أين استمدا هذه الثقة التي يفتقدها الجميع في مصر؟
طريقة تعاطي إدارة أوباما مع الوضع السياسي المعقد في مصر، تكشف عن أن quot; النمطية quot; في السياسة الخارجية الأمريكية لم تتغير سواء مع نظام quot; مبارك quot; أو بعد ثورة 25 يناير، وتتمثل في التعامل مع quot; الإسلاميين quot; (الذين حلوا محل الحزب الوطني) كلاعب سياسي quot; وحيد quot; يمتلك كل السلطات، أما الطامة الكبري فهي عدم إلمام هذه الإدارة وأذرعها البحثية (المخابراتية)، بخلفية المشهد المصري وتفاصيله الدقيقة التي يخفيها اللاعبون الأساسيون بمهارة.
لا يختلف أثنان علي أن المجلس العسكري هو المسئول الأول عن النفق المظلم الذي وصلنا إليه، بإدارته السلبية (الرمادية) للمرحلة الانتقالية، وكانت له quot; حسابات خاطئة quot; دائما أدت إلي سلسلة من (الكوارث) المتتالية التي طالته في النهاية، فأضطر أن يكشر عن أنيابه ويحمي عرينه quot; وزارة الدفاع quot; من الحرق، لأنها ببساطة ليست وزارة الداخلية في شارع محمد محمود أو quot; المجمع العلمي quot; في القصر العيني، أو مجموعة من الأقباط المسالمين في ماسبيرو أو شرذمة من الليبراليين و اليساريين الذين لا أظافر لهم في ميدان التحرير.
ومع ذلك، سيذكر لهذا المجلس أنه نجح في استدراج الإسلاميين إلي quot; النقطة الحاسمة quot; التي قد تدفع بالأحداث إلي الخروج عن سيطرة كل الأطراف، وتجعل في الوقت نفسه quot; الشعب quot; يتحالف مع قواته المسلحة خوفا من الفوضي العارمة. مشهد اقتحام quot; أهم معاقل القوة الصلبة quot; في الدولة المصرية quot; وزارة الدفاع quot; مع التلويح بالرايات السوداء للجماعات الجهادية، ونزول الدبابات والمدرعات وتحليق الطائرات والحسم في انهاء الاعتصامات والعنف واعتقال رموز وشخصيات عامة من داخل المساجد، ثم اعلان حالة الطوارئ واصدار البيانات العسكرية واظهار quot; هيبة الدولة quot; المفقودة منذ 11 فبراير 2011 بالتزامن مع الأغاني الوطنية، حمل رسالة شديدة الوضوح للقاصي والداني: الأمن القومي المصري quot; خط أحمر quot; وليس ساحة للألاعيب السياسية والدينية، ولن تجدي معه حرب الشوارع والعصابات أوالتهديد بالميليشيات المسلحة والمرتزقة.
ما لا تستطع أن تجادل حوله الولايات المتحدة أو أي نظام ديمقراطي quot; دستوري quot;: أن quot; القانون quot; هو الرادع وquot; الحصن الأمين quot; حين تتعرض الأوطان للخطر الداخلي، وأن الإسلاميين الذين أصبحوا الآن لاعبين سياسيين (كما تريد أمريكا) عليهم الالتزام بالشرعية والقانون، لا أن ينتهكوا دولة القانون وحدود الشرعية ويعرقلوا مسيرة التحول الديمقراطي !.. ولن تسمح أية دولة في العالم بالتعدي علي مؤسستها العسكرية أو انتهاك الأمن القومي مهما كان حجم الخلاف السياسي، ناهيك عن أن الاسلاميين لم يتعلموا شيئا من دروس التاريخ كما لم يعرف أتباعهم وتلاميذهم الذين أطلقت ثورة 25 يناير سراحهم من السجون والمعتقلات، ليمارسوا العمل السياسي في اطار الجماعة الوطنية.
لكن يبدو أن قرون استشعار الإخوان المسلمين وشكوكهم حول العسكر ونواياهم هي أسبق دائما: الجيش يبحث عن وضع خاص بدون شفافية بعد قيامه بتسليم السلطة. فهو يسعي إلي الابتعاد عن المراجعة البرلمانية لميزانيته ndash; كما قال خيرت الشاطر في حديثه لصحيفة quot;فاينانشيال تايمزquot; البريطانية - التى تشمل مصالح اقتصادية شاسعة يقدرها بعض المحللين ما بين 10 إلى 30% من الاقتصاد المصرى. المجلس العسكري يطالب بنظام حكم رئاسى، والإخوان يريدون نظاماً برلمانياً أو نظاماً مختلطاً. وحسب تعبير الشاطر: quot;العسكر يريدون أن يدفعوا بمرشحهم الرئاسى، وأن يقوم الرئيس بتشكيل الحكومة القادمة، ويريدون السيطرة على الوزارات.. يريدون سلطة تنفيذية موالية لهمquot;.
ما يعني أن الجيش لن يسلم السلطة دون أن يتفاوض على وضعه المستقبلى، وإن كان يريد أن يخرج من السلطة بالفعل لكن مع الاستمرار فى الحكم من وراء الكواليس، وهناك مخاوف جدية من احتمال سعى المجلس العسكرى إلى حل البرلمان، فى حين أن الإخوان يريدون التأكد من أن ثورة 25 يناير قد انهت 60 عاما من سيطرة العسكر أو علي الأقل قلصت الدور السياسى للجيش، وهو ما تريده الولايات المتحدة وتراهن عليه!
- آخر تحديث :
التعليقات