قراءة quot;إيلافquot; مع قهوة الصباح، متعة ما بعدها متعة، لا تتوفر في أية صحيفة الكترونية أخرى، فيما أتصور، تكشف ndash; في العمق - أننا نعيش في عدة قرون داخل كل بلد عربي، وإن شئت الدقة نعاني من (الفوضي) وتتمثل في (تجاور) كيانات منفصلة ومنعزلة، تنتمي فكريا واجتماعيا إلي عصور شديدة التباين والاختلاف، بعضها ينتمي إلي العصر الجاهلي وبعضها الآخر ينتمي إلي الحداثة المشوهة والبعض الثالث ينتمي إلي ما بعد الحداثة المنقوصة، وهو ما يعني أن كل بلد عربي - علي حدة - بحاجة إلي عقد اجتماعي جديد ينظم التعايش وليس (التجاور) بين أطياف المجتمع الواحد وطبقاته المختلفة، يتأسس علي قبول الآخر والمختلف والاحترام المتبادل.
quot;إيلافquot; أشبه بالمرآة المكبرة التي جعلتنا نحدق في أعماق أنفسنا ومجتمعاتنا دون رتوش (أو ماكياج)، وهذا يكفي جدا من وسيلة إعلامية استطاعت أن تقتحم quot;اللامفكر فيهquot; وquot;المستحيل التفكير فيهquot;. لكن هذا هو المظهر quot;الخادعquot; والجزء المرئي فقط من جبل الجليد الغائم، لأن quot;إيلافquot; - هي نفسها - quot;الداء والدواءquot; (السم والترياق) أو quot;الفارمكونquot; حسب تعبير أفلاطون وquot;جاك دريداquot; من بعده.
فقد أنجزت ndash; في فترة وجيزة - شيئاً طالما أعلنت عنه الفلسفة الاشتراكية والتطبيقات السياسية لها (ولم تفعل إلا القليل لتحقيقه)، إذ أتاحت quot;أول يومية الكترونية في العالم العربيquot; لكل من يمتلك أجهزة الكمبيوتر أن يدخل (عصر الاتصالات) دون قيود أو شروط، وأن يتفاعل مع ما يقرأ ويشاهد ويسمع لا أن يظل قابعا في خانة المتلقي السلبي كما هو الحال في (عصر التليفزيون) والصحافة الورقية المطبوعة.
وتلك quot;نقلة نوعيةquot; جديدة في مسار الفلسفة (الاشتراكية) من خلال التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة، حيث أصبحت الصحافة الالكترونية المظهر الأعظم للمساواة بين البشر، ليس فقط الأغنياء والفقراء.. الرجال والنساء.. وإنما لأنها أنهت عصرا كاملا من المعرفة الرأسية، عصر من (يملون علينا ما ينبغي أن نعتقده) دون أن نملك مناقشة هؤلاء الخبراء من الكتاب (وحملة الدال) : ما هي الأسباب التي لابد وأن تدفعنا إلي هذا الاعتقاد أو ذاك؟.. ناهيك عن ان الصحافة المطبوعة جعلت القراء ndash; في الغالب - غير مؤهلين لممارسة هذا الفن الجليل المعروف بquot; النقد quot; الذي ظل قاصرا علي النخبة والصفوة.
حتى بعد دخولنا عصر الانترنت والمعرفة حيث الحاجة أكثر الحاحا لاستخدام سلاح quot;النقدquot;، ظلت منظمومة الإعلام والتعليم في العالم العربي تقوم علي التلقين والحفظ والتذكر والاستظهار وليس علي quot;التفكير النقديquot;، فضلا عن أن التعليم نفسه تحول إلي quot;سلعةquot; هدفها الأساسي (إسعاد الزبائن) من الطلاب وأولياء الأمور وأصحاب الأعمال، وتلبية احتياجات quot; سوق العمل quot; ومتطلباته وليس بناء الشخصية (النقدية) القادرة علي مجابهة التحديات وتحمل المسئولية الإنسانية تجاه الآخرين.
الرهان علي أن quot;التغييرquot; يبدأ من quot;الإعلامquot; - ومن الصحافة الالكترونية تحديدا - هو quot;ضربة المعلمquot; عثمان العمير التي حركت دوائر المياه الآسنة في منظومة الوعي في عالمنا العربي، ونقطة الانطلاق في تغيير هذا الواقع الراكد هي: تكوين حركات شعبية (ضاغطة) من مستخدمي شبكة الانترنت (ومن القراء الافتراضيين) تستخدم quot;مهاراتquot; التفكير النقدي علي أوسع نطاق وبحرية كاملة، من خلال التعليقات والآراء والمدونات والجدل الخصب والمناقشات التفاعلية واستطلاعات الرأي.
quot;الرهان علي المستقبلquot; هو هذا بالضبط.. لم تعد quot;مشكلة المعرفةquot; في العالم اليوم، هي كيفية الوصول إلي المعلومات أو حتي المعرفة، وإنما في الافتقار إلى المهارات (النقدية) اللازمة لمعالجة هذا النهر المتدفق من المعلومات وغربلتها (إفرازها) للوصول إلي الحقيقة (الحقائق)، وعندها فقط تصبح quot;المعرفة قوةquot;، في عصر لا يعترف إلا بالأقوياء المسلحين بالمعرفة وأدواتها ومهارات اقتناصها وتوظيفها.
[email protected]
التعليقات