هذه هي أول قمة لحلف شمال الأطلنطي quot; الناتو quot; تعقد في الولايات المتحدة منذ 13 سنة، وتتزامن مع عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية (2012) وتجري أعمالها في مسقط رأس الرئيس باراك أوباما (شيكاغو) الذي يطمح في مدة رئاسية ثانية.
أفغانستان هي كلمة السر في هذه القمة التي ستنعقد يومي 20 و21 مايو الجاري، تحت اسم (قمة الانجاز والتنفيذ) حيث قرر الحلف سحب قواته المسلحة بحلول عام 2014، الهدف المعلن لاحتلال أفغانستان هو هزيمة القاعدة وفروعها المتطرفة، لكن الواقع هو : quot; أن من يسيطر علي أفغانستان بإمكانه التحكم في جميع الدول الكبري في العالم تقريبا quot; .. حيث تتقاطع في هذه (الدولة ndash; المركز) مصالح روسيا والصين واليابان والهند وإيران وباكستان و(الولايات المتحدة).
كانت الرؤية المثالية السائدة في السياسة الخارجية الأمريكية بعد زلزال 11 سبتمبر 2011 هي أن معظم الدول الكبري في العالم ممكن أن تتوحد للقضاء علي الإرهاب الدولي المتمركز في أفغانستان وباكستان. حيث الجميع في هذه الحالة : أمريكا والهند وروسيا والصين واليابان وغيرها ستقف في خندق واحد .. وبالطبع تهاوت هذه الرؤية سريعا لأن النزاعات السياسية علي الأرض تنخر في الجميع، والصراعات الخفية والمعلنة بين هذه الدول أكبر من أن تحل، والمشاكل الحدودية بين معظم الدول الآسيوية ستظل باقية مادامت جبال الهملايا باقية في مكانها، كما هو الحال بين روسيا واليابان، واليابان والصين والهند وباكستان وغيرهما وهو تعادل عادلا للجميع.
إعلان الرئيس أوباما عن خطته في الانسحاب من أفغانستان لم يطمئن الدب الروسي أو الغريم التقليدي، وإنما انتابته حالة من القلق والترقب من مراوغة الولايات المتحدة في سحب قواتها من أفغانستان بحلول عام 2014، وحسب quot; ديمتري روغوزين quot; رئيس الوزراء الروسي فإن واشنطن غيرت أكثر من مرة الغرض من تواجدها العسكري في أفغانستان، من البحث عن الارهابيين المتورطين في أحداث 11 سبتمبر 2001 حتى مطاردة القاعدة وطالبانquot;، بينما لم يكن هناك أفغاني واحد بين من هاجم نيويورك وواشنطن عام 2001، ناهيك عن عدم وجود عنصر واحد لحركة طالبان بينهم.
أضف إلي ذلك أن استراتيجية أوباما للخروج التدريجي من أفغانستان التي مزقتها الحروب، تتعرض لهجوم عنيف داخل الولايات المتحدة (من الجمهوريين وحزب الشاي) ومن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وتحديدا الهند التي وصفت المحادثات السرية بين الولايات المتحدة وطالبان في قطر، بquot; صفقة مع الشيطان quot;، وأنها بمثابة تكرار للأخطاء السياسية الجسيمة التي أرتكبتها الولايات المتحدة في السابق والتي تهدد الآن الأمن الأقليمي والدولي.
وتتمثل هذه الأخطاء في: أولا تكوين وتمويل مليشيات محلية جديدة في أفغانستان، ثانيا السعي إلى التصالح مع طالبان. ثالثا قصر نظر السياسة الخارجية الأمريكية، وكما كانت الحال مع الحرب السرية التي شنتها الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن العشرين ضد التواجد السوفييتي العسكري في أفغانستان، فإن المصالح الضيقة القصيرة الأمد هي التي تدفع السياسة الأميركية في حربها العلنية الحالية.
خطأ أوباما الأساسي منذ توليه منصبه - حسب quot; براهما تشيلاني quot; أستاذ الدراسات الاستراتيجية بمركز البحوث السياسية في نيودلهي، ومؤلف كتاب quot;الطاغوت الآسيويquot; - ليس في إنهاء الحرب أو تخليص بلاده من ورطة التواجد العسكري هناك، وإنما في كشف أوراقه علنا وخططه في الانسحاب مبكرا مما عرض الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة للعديد من المخاطر، وأكسب أعدائها قدرا كبيرا من الغطرسة ومنحهم العديد من الفرص لإعادة ترتيب الأوراق للإضرار بالمصالح الغربية والمنطقة.
إن القوة المنسحبة التي تعلن أولاً عن الخروج على مراحل ثم تسعى إلى إبرام صفقة مع العدو ndash; كما يقول - تقوض نفوذها الإقليمي، ومن الواضح أن التدهور الحاد الذي لحق بالعلاقة بين إدارة أوباما مع المؤسسة العسكرية الباكستانية بدأ منذ الإعلان عن الجدول الزمني للانسحاب. ومثله كمثل الاحتلال الأميركي للعراق، فإن حرب حلف شمال الأطلنطي في أفغانستان سوف تترك من خلفها دولة ممزقة عرقيا. وتماماً كما يعاني العراق اليوم من التقسيم العرقي، فسوف يكون من الصعب تشكيل حكومة قادرة على فرض سلطانها على مختلف أنحاء أفغانستان في مرحلة ما بعد عام 2014 في كابول.
في رأي أغلب المحللين الاستراتيجيين فإن إنهاء عمليات quot; الناتو quot; العسكرية لا يعني نهاية الحرب، لأن هناك احتمال قائم وقوي بإستهداف المصالح الغربية أينما كانت. وربما تتبني القمة المرتقبة بشكل حاسم استراتيجية جديدة للناتو في أفغانستان تحدد معايير وصيغ التواجد العسكري (الأمريكي) بعد عام 2014، وهو ما يتعارض مع وعود أوباما التي قطعها علي نفسه منذ اليوم الأول في المكتب البيضاوي بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، ويطرح في العمق هذا السؤال : هل تسقط قمة quot; الناتو quot; الرئيس أوباما في (شيكاغو) مسقط رأسه ؟
- آخر تحديث :
التعليقات