هل يصدق أحد أن حكومة ما ndash; ونحن في العقد الأول من القرن الواحد والعشرينndash; تفتح رسائل مواطنيها لتتأكد بنفسها من أنهم لا يتآمرون عليها فيما يكتبون، ولا يخططون لتغييرها عبر الرسائل؟!..
هل يصدق أحد أن حكومة ما ndash; ونحن في العقد الأول من القرن الواحد والعشرينndash; تسترق السمع للمكالمات الهاتفية بين مواطنيها لتطمئن بأنهم لا ينوون بإنقلاب عليها بعد أن يضعوا سماعة الهاتف؟!..
هل يصدق أحد أن حكومة ما تتباهى بديموقراطيةٍ مفصلةٍ وفق مقاسات أعضاء الحزب الحاكم، وترمي بفضلاتها على بقية الأحزاب الأخرى من حيث المراكز الحساسة في البلاد، وهي تعلم أن الغالبية العظمى تتجاوز القوانين، وتمارس القمع، ناهيك عن اختلاسات الأموال العامة؟!..
أما عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب فحدّث عنها بلا حرج.. وإلا فهل يعقل أن يكون رئيس الجامعة لا يجيد لغة أجنبية؟!..
والذين يعتقدون أن انعدام الأمن في العراق ينتج بسبب القاعدة وغيرها من الظلاميين والتكفيرين يخطئون؟!!.. فإلى جانب هؤلاء وأولئك، هناك الخلافات الداخلية بين الأحزاب بعضها البعض!!.. وما قضية الهاشمي إلا واحدةً من عشرات الخلافات بين الأحزاب والفصائل العراقية المختلفة!!..
وفي العراق ndash; أيها السادة ndash; يحدث من العجائب والغرائب ما لا يخطر على بال امرؤ دخل العقد الأول من القرن الواحد والعشرين!!..
ففي العراق الآن لا يعرف الإنسان ماذا يفعل، وكيف يسلك لمجرد أن يبقى على قيد الحياة؟!....
فهو إن بدا عليه الحزن والكآبة قالت الحكومة إنه متذمر من الوضع السياسي ويجب مراقبته..
وإن ظهر عليه الإبتسام والإنبساط قالت الحكومة إنه متفائل بأن شيئاً ما لابد سيحدث، أما ما هو هذا الذي سيحدث، فيجب لمعرفته رصد المواطن ومتابعته ومراقبته!!..
وهو ndash; أي المواطن ndash; إذا أصابته وعكة وشعر بالمرض، قالت الحكومة إنه متمارض وخائن ومشبوه، لأن المواطن الصالح لا يمرض في هذه الظروف العصيبة التي يعرف أنه لا يجوز له أن يمرض فيها!!..
وهو إن لم يمرض وغالب علته وأظهر السلامة، قالت الحكومة إنه من أعوان الطائفة الفلانية، لأنه إنما يتظاهر بالصحة والعافية لكي يعطي الإنطباع بأن الوضع الإقتصادي للبلد لا تأثير له على الإطلاق، بينما يعرف القاصي والداني أن اختلاسات الأموال عند الكبار في الدولة قد أكلت الأخضر واليابس من أموال العراقيين!!..
ثم إن المواطن لا يعرف كيف يمشي في وطنه، فإذا هو أسرع في سيره إرتاب فيه رجال الأمن!!.. فما الموجب للسرعة إذا لم يكن المواطن إياه ينوي فعل شيء هام، والشيء الهام طبعاً لابد أن تكون له علاقة بهذا الحزب أو ذلك التنظيم!!..
إما إذا مشي المواطن ببطء وتؤده، شك فيه رجال الأمن والمخابرات!.. فالسير على مهل يعني أن المواطن هذا يدبر في رأسه مشروعاً ما ويطبخه على نار هادئة.. والنار الهادئة هذه إذا تُركت فسوف تصبح حريقاً يلتهم مصالح المهيمنين على قيادة العراق؟!
والمواطن داخل العراق لا يعرف كيف يصنع ببدنه : فإن إمتلأ جسده صار موضع شبهة، فمن أين له الطعام الزائد والبلد يعاني من انعدام توزيع الثروة بشكل عادل، ألا يعني هذا أنه يتعاون مع شبكات سرية لتهريب الطعام؟..
أما إذا نحف المواطن وصار جلداً على عظم، عرّض نفسه أيضاً لشبهة الحكومة، فصحيح أن البلد يعاني إقتصادياً، وأن ثمة جوعاً وأزمة طعام، ولكن الصحيح أيضاً أن البلد يمكنه بالإعتماد على نفسه وحكمة قيادته والظهور بمظهر quot; جلد على عظم quot; يعطي الأعداء الإنطباع وكأن مصير المواطنين في أيديهم، وهذا ما لا يفعله مواطن حريص على سمعة وطنه وسمعة ديموقراطيته الجديدة!!..
وأيضاً.. فالمواطن في العراق لا يعرف بأي هندام يخرج وماذا يرتدي :
فإن أطال لحيته أُثيرت حوله الشبهات.. والتهم جاهزة بالطبع.. وإن كان حليق اللحية كان موضع شبهة، فلعله حلق لحيته ليبعد عنه الشبهات..
وإن خرج بدشداشة، قالت السلطة أنه يروج للسلفية والتخلف.. وإن إرتدى بنطال جينز قالت أنه متأثر بالثقافة الغربية ويروج لبضائعها ومفاسدها.. وربما يُتهم بأنه إثني ( يعني من الجنس الثالث ) فلابد من معاقبته!!..
أما على صعيد ما يتلقاه المواطن العراقي من فتاوى يومية مستمرة.. فهناك فتاوى التنظيمات المختلفة :
* فالصدر يصدر فتاواه اليومية بشكل ممل وممجوج!!..
* والمالكي ما فتئ يُمطر البلاد بفتاواه الرسمية المستندة الى الشرعية التي يؤمن بها هو، وهو فقط!!..
* والبرزاني يصدر في كل يوم فتاوى تهديدية، مرة بانفصال الشمال عن العراق، وأخرى بتوجيه الاتهامات للقيادات التي لا يتفق معها في الرأي!!..
* إياد علاوي وتنظيمه لم يعد لهم من عمل سوى اصدار الفتاوى اليومية بتشريعات وقوانين، لا يُعتد بها، واتهامات ضد هذا وذاك ممن يخالفونهم بالرأي!!..
* وهناك :
الجعفري!!..
والسستاني!!..
والصخري!!..
والحزب الشيوعي!!..
والبعثيون القدامى والجدد!!..
وأفكار ما أنزل الله بها من سلطان، تطلع علينا كل يوم، يتستر ورائها الطائفيون، وشيوخ العشائر، والمتعصبون دينياً ( شيعة وسنة )!!..
* * *
bull;
هذا غيض من فيض، فشكراً لأمريكا التي أزاحت الشر بأشر منه لتبقى المرجعية في العراق محكومةً بالسفارة الأمريكية في بغداد، وقم في إيران.. أما الشعب العراقي فلا حول له ولا طول؟!..
التعليقات