من الطبيعي أن يكون خطابي موجهاً لقادة دول مجلس التعاون المجتمعين في الرياض، من أجل ايجاد صيغة للتقارب أكثر فيما بين دولهم..
أقول ليس ثمة ما يدعونا إلى المكابرة، ولا حاجة بنا إلى الإدعاء.. فنحن في دول مجلس التعاون، نعد دولاً صغيرة ndash; قياساً بغيرنا من الدول الأخرى ndash; فنحن قد ورثنا من الماضي تراكمات ضخمة من العادات والتقاليد التي لو تمسَّكنا بها لكانت حياتنا أكثر تعاطفاً، وعلاقاتنا أكثر إنسانية.. وكذلك ورثنا بعض المورثات التي أعاقتنا ومازالت قادرة على إعاقتنا لأنها غير قابلة للتطور مع العصر.. فنحن نرفع اليوم لواء الدول العصرية..
ويعتقد البعض أن هذه العصرية تُكتسب ببضعة منشآت تقام هنا وهناك، أو هي نوع من التطور الإقتصادي والإستثمارات في الداخل والخارج، ونؤكد دائماً أن العلم هو المحور الذي تدور حوله الدول العصرية في هذه الحقبة من التطور البشري..
وكثيراً ما ننسى من أن العلم ليس سوى مجموعة من المعادلات الرياضية والتجارب العلمية.. لا قيمة لها إذا لم تخضع أولاً وقبل كل شيء إلى نمو العقلية الخلاقة وتأصيل السلوك القويم، وإحترام القيم والتقاليد ذات الفعل الإيجابي الذي يدفع بالمجتمع إلى الأمام في معارج الرقي والتقدم..
أما إذا كنا نتحدث عن العلم الذي يُقصد به إقامة المصانع والمنشآت.. فالحريّ بنا ألا ننسى لحظة، أننا أشد ما نكون حاجة إلى ما نستطيع أن نطلق عليه بالإنشاء الإجتماعي...
صحيح... إن هذا الإنشاء الإجتماعي يترتب عليه حدوث تغييرات جذرية في المناهج التربوية والوسائل الإعلامية، إنما لابد من حدوث هذا الإنشاء والقيام بهذا التغيير.. والسماح للنقد البنَّاء والطموح أن يعمّ حياتنا على ألا يخرج عن الأطر المتاحة.
فالبناء الإجتماعي، قد يُسهم فيه نفر من رجال المال وأصحاب المنشآت والمصانع، ولكنه يرتكز في بنائه ونموه على أولئك الذين يتعاملون مع المادة البشرية الحية ويدرسون تفاعلاتها وتركيباتها المعقدة.
ولا يكفي أن يُقال في تقييم مبالغ فيه أن التعليم وحده سوف يقضي على كل مظاهر التخلف الإجتماعي والنفسي في مجتمعنا..
فالعبرة ليست في التعليم وحده، وإنما بمضمون هذا التعليم ومحتواه وإنعكاسه على المسلك البشري.

قادتنا الكرام:
ليس من المعقول أن نعبِّد شوارع حديثة، ونبني بيوتاً واسعة فاخرة، ونركب العربات الفارهة، ونرتدي أزهى الحلل، ونتعطر بمختلف أنواع الطيب.. بينما نعجز عن مواكبة الركب الحضاري الصحيح.
سأدع الخوض في شكل الاتحاد المزمع قيامه ما بين دول مجلس التعاون، فالكلمة التي كتبها عبد الرحمن الراشد بهذا الصدد كانت كافية وشافية، ولا أخوض في السياسات الخارجية أو العسكرية أو ما يحيط بالمنطقة من أخطار، فهناك من سيتولون هذه الأمور بتفاصيل أوسع.. ولكنني أدعو قادتنا إلى التنبه إلى أن أبناء منطقة الخليج قد تعرضوا لسياسات إعلامية وتربوية كرَّست فيهم نمطاً سلوكياً لم يكن سائداً قبل ظهور النفط في حياتهم..
(فالفوقية والعنجهية) التي يمارسها البعض كأسلوب حياة في بعض دول مجلس التعاون باتت واضحة للعيان!!.. بدليل أن الغالبية العظمى من الأشقاء العرب ممن يشاركوننا العيش لا يُعاملون بما يليق بهم كأشقاء!!.. لدرجة أن الواحد منهم بات لا يشعر بالاطمئنان لأنه لا يدري ماذا يخبئ له الغد!!.. ولهذا تجدهم منفصلين في مشاعرهم عنا.. لا أُعمم، لكن ما أقوله ينطبق على نسبة عالية منهم.. أتمنى: ألا يُقال عنا (شعوب النفط)، إنما خليق بنا أن نكون شعوب الحب.. والخير.. والجمال.. والتواضع..

سادتي قادة دول مجلس التعاون:
في الوقت الذي نتجه الى الله صادقين بالدعاء لكم بالتوفيق.. نتمنى أن تلتفتوا في وسائلكم التربوية والاعلامية للعمل على خلق انسان جديد، وهذا لا يتم إلا إذا أمسكت وسائلكم هذه بمبضعٍ يقص ( توريم الذات ) الذي جاءنا مع مجيء النفط.. بعد أن كنا بسطاء طيبين!!.. والله من وراء القصد!!..