لا يمكن الاعتراض على طبيعة الوجود العسكري لوحشي سوريا حافظ الأب و الوريث بشار الإبن، بأنّه احتلال عسكري بكل المعايير والمقاييس من عام 1976 حتى عام 2005 حيث خرج هذا الجيش هاربا ذليلا بسبب انتفاضة الشعب اللبناني الذي ما عاد يحتمل تحكم عسكر الوحوش في كافة مقدرات لبنان البشرية والمالية والبنية التحتية حوالي عشرين عاما متواصلة. ونحن من عشنا في لبنان وسوريا أغلب تلك الفترة نعرف ميدانيا كيف كانت مخابرات الوحشين وعساكرهم تتحكم وتدير كافة الشؤون اللبنانية، مما جعل لبنان حقيقة مزرعة خلفية للوحوش، ولا يمكن أن ننسى كيف قصف طيران حافظ الوحش في الثالث عشر من أكتوبر عام 1990 قصر بعبدا الرئاسي حيث كان يوجد فيه الجنرال ميشيل عون وعائلته، مما جعل الجنرال يترك عائلته هاربا إلى السفارة الفرنسية التي ظلّ مختبئا فيها 319 يوما، إلى أن أمّنت السفاره خروجه لاجئا إلى باريس، التي بقي فيها قرابة خمسة عشرعاما، قال فيها عن نظام الوحشين ما لم يقله مالك في الخمر، ولم يتمكن من العودة إلى لبنان إلا بعد هروب جيش الوحش عام 2005، ليتحول الجنرال من ناقد وشاتم للنظام إلى مقبل ليد الوحش، مادحا نظامه معتبرا إياه نظام مقاومة وممانعة، لاعنا كل من ينتقد هذا النظام، وكأنّه عضو في حزب حسن نصر الله وليس فقط متحالفا معه، مما جعل جنرال باريس وجنرال بيروت شخصيتين متناقضتين منفصمتين عن واقع عاشته تلك الشخصيتان.

وماذا بعد اندلاع الثورة السورية؟

ما زال نظام الوحش يمارس التعديات على الحدود اللبنانية، ويحاول اشعال الفتنة الطائفية خاصة في مدينة طرابلس المتاخمة للحدود الشمالية مع سوريا، وبالتحديد بين جبل محسن حيث تقطنه أغلبية علوية وحي التبانة حيث غالبيته من الطائفة السنّية، لدرجة أن البعض يطلق على مدينة طرابلس (عاصمة السنّة) في لبنان. ومن المعروف والمتداول في الواقع والإعلام اللبناني، أنّ سكان جبل محسن مدعومون بالمال والسلاح من نظام الوحش وعملائه اللبنانيين الذين ليسوا أكثر من ديكورات وحشية، وإلا من يصدق تصريحquot; رفعت عيدquot; الذي يطلق على نفسه بأنّه رئيس للحزب العربي الديمقراطي، وهو لا وجود له في الحياة السياسية اللبنانية، عندما يصرّح في منتصف مايو الماضي علانية متمنيا عودة الجيش التابع للوحش إلى مدينة طرابلس.

وفي الشهر الماضي زادت تعديات هذا الجيش على الأراضي والحدود اللبنانية عبر اختراقات وقصف يمسّ السيادة اللبنانية بشكل صارخ، مما دعا الرئيس اللبناني ميشال سليمان بالاحتجاج علنا على هذه الخروقات والتعديات التي كان آخرها على بلدة القاع في شمال لبنان، وقد طلب الرئيس من وزير خارجيته عدنان منصور استدعاء سفير الوحش في لبنان quot;علي عبد الكريم عليquot; وتسليمه مذكرة احتجاج على هذه الخروقات والتعديات، لكنّ عدنان منصور المعروف عنه أنّه من مؤيدي بشار الوحش تردد في تنفيذ طلب رئيس الجمهورية اللبنانية، وتعمد التصريح لتلفزيون المنار التابع لحزب حسن نصر الله بأنّه يريد التأكد من هذه الخروقات قبل استدعاء السفير وتسليمه مذكرة الاحتجاج. وبعد تلكؤ دام يومين قام بتسليم مذكرة الاحتجاج، خاصة أنّه لمس الغليان في الشارع اللبناني ضد ممارسات نظام الوحش التي هي اهانة علنية للبنان وطنا ودولة وشعبا، مما حدا ببعض الشخصيات مثل النائب quot;جمال الجراح quot; أن يدعو علنا إلى طرد سفير الوحش من لبنان بعد أن تكررت الاعتداءات المسلحة التي أوقعت ما لا يقل عن 12 قتيلا لبنانيا والعديد من الجرحى.

سفير للوحش أم وصي على لبنان؟

ومن المعروف أن سفير الوحش في لبنان quot;علي عبد الكريم عليquot; لا يعتبر نفسه سفيرا بل وصيا على لبنان، وكأنّه يعيش في أجواء وظروف ما قبل عام 2005 عندما تمّ طرد جيش الاحتلال الوحشي، لذلك نراه يصرّح مستغربا تصرف رئيس الجمهورية اللبنانية الذي طلب تسليمه رسالة احتجاج. والأدهى من ىذلك أن تطاول هذا السفير يصل إلى حد التهكم بأنّ نظامه هو من يجب أن يقدّم رسالة احتجاج للرئيس اللبناني. ورغم هذه العنتريات الخالية من أي مضمون، تتصاعد الدعوات في الشارع اللبناني بضرورة طرد هذا السفير، لأنّه تجاوز حدود عمله الدبلوماسي متصرفا فعلا وكأنّه وصي على لبنان. وضمن هذا السياق يرى النائب جمال الجراح ( أنّ السفير يتصرف كأنّه وزير وصاية على لبنان، ولا يزال يعتبر أنّ سوريا تسيطر على الحياة السياسية في لبنان، ولا يناقش أحد التصرفات السورية كما كان الأمر على عهد الوصاية، والحكومة اليوم تشجّع السفير السوري أن يتصرف بهذه الطريقة).

ورغم ذلك فالرئيس اللبناني،

بخطوته الشجاعة هذه في تقديم طلب الاحتجاج، ورضوخ وزير خارجيته بعد تلكؤ دام يومين، و تصاعد دعوات اللبنانيين لطرد سفير الوحش، تعني أنّ لبنان بدأ خطوات الخروج من هيمنة نظام الوحش وعملائه من أفراد وأحزاب، على طريق عودة لبنان إلى جمهورية ما قبل عام 1976 حيث كان واحة الحرية والديمقراطية الحقيقية في العالم الموصوف ب quot; العربي quot;. حيث كان لبنان لا يعرف التفرقة ولا الطائفية، وكان فيه ألاف من اللاجئين السياسيين من عدة أقطار عربية بما فيها سوريا، دون أن يجرؤ أي نظام على المطالبة بهم أو المسّ بكرامتهم، بينما بعد الاحتلال الوحشي عام 1976 تصاعدت الاغتيالات في لبنان لتطال كل من يخالف أو يعارض الاحتلال الوحشي للبنان. إنّها البداية لعودة لبنان إلى ما كان عليه، ولن يخسر من ذلك سوى عملاء نظام الوحش أفرادا أو أحزابا، ولكن المنتصر عندئذ هو الشعب اللبناني المستعيد لحريته وكرامته وديمقراطيته واستقلاله الحقيقي.
[email protected]