منذ سنوات تتصدر الطائفية خطابات الجماعات الخاسرة، والتي لا تملك بضاعة وطنية المنشأ، ومنذ ذلك الحين والكثير يكتب عن الطائفية ومخاطرها على وحدة المجتمع وتماسكه، وهنا ثمة حقائق بسيطة يدركها المتخصصون في علم الاجتماع مؤداها باختصار أن تماسك الجماعات محكوم بقوانين علمية، في أحيان كثيرة تكون ثابتة، تتضمن تلك القوانين عدداً من الآليات التي تتباين وفقاً لأدراك أبناء الجماعة لما تتمتع به جماعتهم من قدرة على تحقيق الانتصار والحفاظ علية، أو لما تعانيه تلك الجماعة من ضعف وعجز عن تحقيق الانتصار.

وهنا يرى الدكتور قدري حفني الأستاذ في معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة، أن في حالة quot;ثقافة الانتصارquot; تدافع الجماعة عن نفسها وتدعم تماسكها من خلال آليات ايجابية مثل: التسامح، والشفافية، والقبول بالاختلاف، وتشجيع الحوار بحيث يؤدي ذلك إلى زيادة جاذبية الجماعة لأعضائها بل واكتسابها لأعضاء جدد وازدياد تمسك الجماعة الفرعية بالجماعة الأم. أما في حالة quot;ثقافة الهزيمةquot; وتضاؤل الأمل في انتصار وشيك فإن آليات التماسك تختلف، إذ تتبنى الجماعة المهددة (المذعورة) نوعاً مختلفاً من الآليات مثل: التعصب، والعنف، وتضخم دلالة أي حدث يمكن الإيهام بأنه انتصار على الأخر، والخوف من الاعتراف بأي سلبيات مهما كانت خوفاً من أن يستغلها الآخر، وفي هذه الحالة تسعى الجماعات الفرعية بصرف النظر عن كونها الأكثر أو الأقل عدداً إلى الانغلاق على نفسها وإبراز تمايزها عن الآخرين.

د. بشير ناظر الجحيشي

كما أن الجماعات البشرية تحرص دوما على بقاء أبنائها في كنفها، ولكن آليات هذه الجماعة أو تلك تختلف وتتباين حسب ثقافة كل جماعة، ولكن في ظل ثقافة الانتصار تكون الجماعة أكثر يقينا في عودة ابنها الضال إلى أحضانها مهما طال الزمن، ولذلك لا تبالغ ولا تتطرف كثيرا في عقابه، ويحدث العكس بطبيعة الحال في ظل ثقافة الهزيمة.

أن ما يحدث في مجتمعنا العراقي وما حدث من أزمات طائفية وسياسية بين الجماعات المتصارعة على السلطة قد تناوله الكثيرين وفي مختلف التخصصات، والجميع يدرك خطورة هذه الأزمات على الوحدة الوطنية وعلى تماسك المجتمع، ولكن تباينت رؤى هؤلاء الكتاب في تحديد المسئول الرئيسي عما يجري، هل هي حساسية مبالغ فيها من بعض الجماعات، أم هي أخطاء تراكمت منذ أيام مجلس الحكم الانتقالي، هل أن نشوء هذه الأزمات مسؤولية الأجهزة الأمنية، أم السلطة السياسية، أم هي مؤامرة اكبر من هذا كله تم تدبيرها خارج حدود بلدي العراق ومن جهات تعتبر هي المستفيدة الأولى والأخيرة من كل الذي جرى وما يجري وما سيجري؟

الشيء الأكيد الذي استطيع أن اجزم به والجواب الوحيد الذي لا اعتراض علية هو: أننا جميعاً نتحمل المسئولية والأحرى بنا أن نبحث عن الأسباب لا عن المسئول وان نحاول الوصول إلى جذور المشكلة والتصدي لها بالأفعال لا بالأقوال والخطابات الرنانة التي لا تغني ولا تسمن من الم ما يعانيه أفراد هذه الجماعة أو تلك عند حدوث أي خلاف بين رجال سلطة اليوم، كما أن هذا الكلام لا يعفي المسئول من العقوبة.

إذ أن الكلام في الطائفية وإثارة الشارع هو خطاب الخاسرين والمفلسين والمدركين لفشلهم ولعجزهم ولعدم قدرتهم على الثبات والوقوف أمام كل مواطن جعل من حب الوطن عنواناً له، بل هو خطاب الجماعات العاجزة أياً ما كان انتماءها؟ ولعل خير ما يمكن أن أختتم به هذه السطور هو أن اقتبس وبتصرف ما ورد في صدر مقال احد الأساتذة المصريين عندما قال: إنني لا أنكر أن هناك صاحب مصلحة اكتب لحسابه، وهناك جهة ينتسب إليها قلمي، وهو كيان واحد تعارفنا على تسميته الوطن، ويحلو لي أن أسمية بشكل أكثر تحديداً quot;العراقquot;.

أكاديمي عراقي