لعل من أهم الظواهر التي تمخضت عنها حالة إنهيار الدكتاتورية وحكم الفرد ( الإله ) في العراق هي إنتشار الصور و المجسمات البديلة للقادة الدينيين و المرجعيين وهذه مسألة معروفة في ظل مجتمع تائه و يعيش حالة فراغ سلطوي و يفتقر لأبسط مستلزمات الرموز الوطنية كالمجتمع العراقي الذي عاش حقب دكتاتورية مختلفة منذ سقوط الحكم الملكي الدستوري عام 1958 و من ثم بروز شخص و قيادة قائد ذلك الإنقلاب العسكري الدموي الذي أطاح بالشرعية الدستورية و أسس لثقافة الدبابة و المدفع الرشاش وهو اللواء عبد الكريم قاسم الذي رفعته الطبقات الشعبية المسحوقة وبقيادة الحزب الشيوعي العراقي وقتذاك لعنان السماء و جعلوه رمزا للعدالة و زعيما للفقراء و أملا للمعدمين في فترة تداخل فيها الفكر السياسي الإشتراكي الذي ساد في تلك الفترة وأختلط مع التقاليد و القيم والأفكار الطائفية و العشائرية.
فكان قاسم ومازال حتى اليوم وبعد 49 عاما من مقتله و إعدامه في دار الإذاعة العراقية في التاسع من شباط/ فبراير 1963 رمزا شاخصا لإنقسامات عديدة في الرأي و التقويم و أختلف فيه القوم كما أختلفوا في أشياء عديدة، فقد ذهب الرجل ضحية لفرديته و آرائه المتقلبة وصدامه مع المعسكر البعثي و القومي الناصري كما ساهم أهل الفكر الديني في مصرعه عبر الفتوى النجفية الشهيرة بكون ( الشيوعية كفر و إلحاد )!! وهي الفتوى التي تلطى خلفها البعثيون ليمعنوا قتلا و إبادة و سحقا بألوف مؤلفة من العراقيين وغالبيتهم من الشيعة بدعوى إنتمائهم للحزب الشيوعي العراقي، بل أن العديد من البسطاء و المعدمين لم يصدقوا أصلا مسألة مقتل وموت الزعيم عبد الكريم رغم عرض جثته على شاشة التلفاز العراقي، وتكررت مآسي تاريخ أهل الكوفة حيث إدعى البعض بأن عبد الكريم لم يقتل وإن صورته شوهدت في القمر.. و إنه سيعود ليملأ العراق عدلا بعد أن ملئه البعثيون ظلما وجورا!!
داود البصري |
فيا أيها النائب ان عبد الناصر رغم خلافنا وإختلافنا مع بعضا من سياساته فإنه لايقارن أبدا بالزعامات الإيرانية الفارسية المصرة على تدمير العراق وتضييعه في مستنقعات الطائفية النتنة، إنه رمز قومي عربي يستحق الإحترام وهو من أهلنا وشعبنا ولغتنا وليس نبتة صفوية سوداء مسمومة مغروزة في أرض العرب! كان بالأحرى من السيد النائب أن يخجل وهو يورد تلك المقاربة غير المقبولة ولا المستحبة، ولكن المشكلة في العراق تكمن في ( إن اللي إختشوا ماتوا )!!.. وتلك هي المعضلة و المصيبة في عراق يزحف على بطنه زحفا نحو جحيم الولي الفارسي الفقيه.
التعليقات