(وكُنتُ امرءًا مِن جُندِ إبليسَ فارتَقَى

بِيَ الحالُ حتَّى صارَ إبليسُ مِن جُندِي)
شاعر قديم
بالتأكيد هذا هو الخطاب الأخير لبشار الأسد. فكل من يتابع خطابات هذا المختل يدرك تماما انفصاله عن الواقع بفعل خيال مريض في أعمق أعماقه المظلمة. إذ كيف لشخص عاقل أن يخطب بمثل تلك اللغة التي يبدو فيها هذا المعتوه كمن يتحدى ذاته باستمرار لإثبات أنه لا يرى في كل هذا الخراب والموت، وأمام عشرات الآلاف من جثث الأطفال والنساء من ضحايا عصاباته المجرمة، سوى مناسبة أخرى لإلقاء خطاب على الشعب؟!
في كل خطاب أو حوار يوحي هذا الرئيس العصابي لمستمعيه بأنه يواجه تحديا بلاغيا بمزايداته الرخيصة، ومن ثم يحاول أن يقدم توجيها متغطرسا بحسب الوقائع لاسيما وأنه أدرك هذه المرة أنه ليس بمأمن، وأن ما يجري من حوله هو ثورة ؛ لهذا أكثر في الخطاب من حديثه المغرور والمتقعر عن شروط الثورة ومفكريها وقادتها . وبما أن لا أحد طلب منه تفسيرا لمعنى الثورة فهو هنا يوغل في خياله المنفصل عن الواقع لأنه بمثل هذا الكلام يكشف أكثر فأكثر عن هذيانه وخطورته في نفس الوقت مما يؤكد قول بعض العارفين: أن هذا المسخ تمت تربيته على أنه نصف إله، لذلك يستعرض تحدياته الوهمية عبر احساس ألوهي كذوب.
كان الجميع يعرفون أن الخطاب المرتقب لن يكون سوى بلاغة بائسة وكاشفة عن أسوأ ما يقبع في نفس ديكتاتور مشدود إلى مصيره الدموي أكثر من أي مصير آخر وإلا كيف يمكن أن نفهم احراجه الفج حتى لأصدقائه الروس والإيرانيين، حين تحدث عن الحل بعيدا عنهم وتحت اشراف نظامه؟ ووصف الثوار بأنهم حفنة من العصابات الإرهابية، بأسلوب دل على نرجسية عصابية جعلته عاجزا، تحت تأثيرها، عن مقاومة رغبته العارمة في استعراض تضخم الذات المتوهمة أمام تصفيق شبيحته .
هكذا كانت دار الأوبرا خير مكان لتمثيل المسرحية الأخيرة، ليس فقط لأسباب أمنية بل وأيضا لما بدا واضحا من ذلك الإخراج التافه والكاشف عن أخس الغرائز البدائية لدى شبيحة الأسد الذين لم يكتفوا فقط بالهتاف والتصفيق، وإنما تزاحموا للحظوة والقرب منه كذلك .
وكان واضحا هنا إلى أن هتاف أولئك المجرمين: (شبيحة للأبد لأجل عيونك يا أسد) يتم بأمر من الأسد ذاته لزوم إخراج مسرحيتة السمجة.
وهكذا جلب هذا المعتوه ــ مرة أخرى ــ للشعب السوري شيئا مظلما ومدمرا من أعماق سحيقة في ذاته العصابية، فيما هو يتحدث بتلك اللغة الشيطانية عن الانتصار والمواجهة والحلول الكاذبة، ما يعني أن سيناريو الرعب سيكون هذه المرة أكثر فظاعة ودموية وبشاعة من كل ما سبق .
كل من يفكك دلالات هذا الخطاب الشيطاني، سيقع على نماذج معكوسة لمفردات كشفت عن استعارات شريرة جرى توظيفها في سياق نقيض لها تماما .
ذلك أنه حتى الشيطان حين يدعو للشر لا يستطيع تسويقه بوصفه شرا، بل بغطاء من قيم الخير المجوفة . وهكذا سنجد أن الشعب، بحسب هذا الخطاب الشيطاني، هم الشبيحة، وأن الوطن هو القرداحة، وأن الثوار هم المجرمون، وهكذا إلى أن يصل هذا المعتوه إلى حال يتوهم فيها أنه إله، كما يردد شبيحته باستمرار.
وإذا كان هذا الطاغية قد بلغ حالة مستعصية من حالات الانفصال عن الواقع، فإن ما يعيده إلى ذلك هو فقط استحقاق المصير الدموي الذي سينتظره في نهاية الطريق فهو إذ يعلن تنكره للروس والإيرانيين، وقدرته على انهاء الوضع، ويتبجح بطرح لتلك الاسطوانة السمجة حول المبادرات والوعود المجوفة، إنما ينساق إلى مصيره المنتظر نحو العدالة الكونية المحتومة، مهما صور له خياله المريض .
لقد انتهت اللعبة، وعرف الجميع بوضوح المصير الأقصر للهلاك في عقل هذا المجنون . ومن ثم قد آن الأوان لتحرك المجتمع الدولي تحركا سريعا ليس فقط لمساعدة الجيش السوري الحر، بل كذلك لإنقاذ الشعب السوري من المصير الأكثر رعبا ودمارا على يد هذا الطاغية المعتوه بأسلحة كيماوية لا يستبعد كل من قرأ الدلالات النفسية لخطابه أن تكون إحدى الحلول الجهنمية الأخيرة لنظامه .
من كان يظن ــ قبل سنتين ــ أن يحتمل العالم خليقة للشر المحض كبشار الأسد وأن هذا الخرقة البشرية معجون إلى هذه الدرجة بالحقد والدم؟
ومادام هذا الدعيِّ قد زعم أن الله معه في هذا الشر المستطير من الفساد والظلم والقتل فإن الله يقول في كتابه العزيز (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) ويقول (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) .