المظاهرات التي اندلعت في الخرطوم، منذ يوم السبت الماضي على خلفية مقتل 4 طلاب من أبناء دارفور في جامعة الجزيرة على يد أجهزة الأمن ــ بحسب بعض الروايات ــ والإلقاء بجثثهم في قناة مائية بقرب الجامعة؛ تأتي في سياق مختلف عن تظاهرات الصيف الماضي في السودان.
ثمة العديد من المؤشرات التي ربما تُرشّح مظاهرات الطلاب هذه إلى المزيد من التمدد والتحول إلى بداية انتفاضة؛ من هذه المؤشرات أن نظام الخرطوم أصبح عاريا ومكشوفا للجميع بعد أن تبين للناس أن ما يجري في السودان اليوم هو تحول النظام إلى سلطة فاسدة وخالية من أي مشروع وطني أو إسلامي، وأن منطق القوة المدعوم بالفساد والفاسدين أصبح جليا وأمام الجميع.
فلم يكن غريبا أن تظهر العديد من الظواهر الخطيرة في تزامن دل تماما على أن الأوضاع في السودان في ظل هذا النظام وصلت إلى النهاية، وأصبحت مفتوحة أمام المفاجآت المتوقعة وغير المتوقعة.
فمنذ أن ضربت الطائرات الإسرائيلية مجمع اليرموك للصناعات العسكرية قبل ثلاثة أشهر، توالت التداعيات عقب اختتام مؤتمر الحركة الإسلامية في الشهر الماضي، فكانت المحاولة الانقلابية التي دبرها بعض الضباط من داخل النظام بالشراكة مع رئيس جهاز الأمن السابق ــ صاحب العلاقات القوية مع الاستخبارات الأمريكية ـ صلاح قوش.
كل تلك التداعيات أصبحت بمثابة مؤشر خطير على إفلاس النظام وبلوغه حافة الهاوية. وهكذا يأتي توقيت هذه المظاهرات، عقب مقتل 4 من طلاب دارفور ليزيد من حدة احتقان الغضب الشعبي المتراكم، وشعور المواطنين السودانيين بالإهانة القومية لا سيما عقب ضرب اسرائيل لمصنع اليرموك، ومن قبل ذلك قيام تلك الطائرات الإسرائيلية بقتل مواطن سوداني في وضح النهار، بمدينة بورسودان
هذا بالإضافة إلى التكهنات التي صاحبت مرض الرئيس السوداني وذهابه للعلاج أكثر من مرة خارج السودان.
ومن خلال هذه الحال المحتقنة على أكثر من جبهة يبدو المشهد السوداني في المستقبل القريب حافلا بالكثير من المفاجآت، قد تكون مؤشرات على انتفاضة شعبية، وربما تكون أيضا بداية لفوضى كبيرة تعم البلاد.
الجميع في السودان يعرف أن هذا النظام يجر البلاد إلى الهاوية منذ أكثر من ثلاثة عشرين عاما. وأن النهاية الكارثية لتلك السياسات أصبحت ظاهرة للجميع دون القدرة على تفادي تلك النهاية الخطيرة للبلاد.
فجبهة (كاودا) التي تضم حركات المعارضة المسلحة و تنشط عسكريا في منطقة جنوب كردفان، تعلم أن الحراك العسكري لتقويض النظام من الأطراف قد لا يكون مجديا، لاسيما عبر تجارب سابقة خاضتها الحركة الشعبية في شرق السودان.
المعارضة السياسية والحزبية لا تزال عاجزة عن ابتداع صيغة قادرة على استقطاب الشعب وتحريكه نحو الشارع بفعالية كبيرة ( كما حدث في كل من انتفاضتي أكتوبر 1964 وأبريل 1985).
وهكذا تبدو سيناريوات المعارضة ــ العسكرية والسياسية ــ عاجزة عن اختراق النظام وإسقاطه، فيما تبدو محاولات الطلاب أشبه بالدور التحريضي والمطلبي، دون أن تكون قادرة بذاتها على تغيير الوضع.
قد يتساءل البعض : إذن أين هو الشعب السوداني الذي أسقط نظامين عسكريين من قبل في انتفاضتي أكتوبر وأبريل ؟
وإذا ما تبين لنا أن أغلب هذا الشعب الذي هو من فئة الشباب قد تم العبث بقيمة الكيانية الوطنية في أوساطه، عبر أكثر من 23 عاما من تفتيت الهوية الوطنية ومسخها فإن الأمل بالتغيير والثورة قد يبدو عسيرا ضمن هذه الشروط المعقدة التي يمر بها السودان. والحال أن ما يمكن أن يحدث فرقا إيجابيا هو ما يتردد لدى الكثير من المراقبين من أن هناك تململا في الصفوف الداخلية للنظام وبين بعض قواعده الإصلاحية من الذين اصدروا مذكرة وطالبوا فيها النظام بعدم المساس بقادة المحاولة الانقلابية، لأنهم من الضباط الوطنيين الذين حاولوا إصلاح الحال. قد ينعكس هذا التململ من خلال حركة أخرى بين أجنحة النظام ربما تؤدي إلى انهياره من الداخل بفعل التناقضات الكبيرة في بنيته. وفي هذه الحال فإن في هذا الحراك الطلابي الذي نشط عبر المظاهرات منذ يومين، وضغط المعارضة العسكرية بمنطقة جنوب كردفان، بالإضافة إلى حراك أحزاب المعارضة السياسية التي قررت عقد اجتماعات موحدة تزامنا مع هذه المظاهرات والخروج إلى الشارع ربما يسفر كل ذلك الحراك عن تغييرات مجهولة النتيجة على الأقل، لاسيما في بلد أصبح فيه الفساد علامة عالمية بحسب آخر تقرير لمنظمة الشفافية الدولية صدر قبل يومين جاء فيه السودان ضمن أحد أربع دول هي الأكثر فسادا في العالم.

[email protected]