انطلقت الثورة السورية ضد النظام الأسدي المستولي على سوريا بالظلم والقمع منذ عام 1970 في مارس 2011 بصورة سلمية من مدينة درعا، وبدأت تنتشر تدريجيا المظاهرات والتجمعات الشعبية المناوئة للنظام من مدينة إلى مدينة، وكانت مواجهة النظام لها بالقمع والرصاص و القصف الجوي الذي لم يستعمل ضد كافة الاختراقات الإسرائيلية بما فيها التحليق فوق القصر الجمهوري الأسدي في قلب العاصمة السورية دمشق. هذا العنف من النظام ولّد الانشقاقات في الجيش النظامي السوري من من قبل الجنود والضباط التي لم تقبل ضمائرهم مواجهة شعبهم بالرصاص، وأدّت هذه الانشقاقات مع تزايدها إلى تشكيل ما عرف ب quot;الجيش السوري الحرquot; الذي بدأ مواجهته مع جيش النظام وعصاباته، وتمكن خلال مدة وجيزة من وقف تقدم جيش النظام في مدن كثيرة، كما ألحق الجيش الحر خسائر فادحة بالجيش النظامي وتمكن من السيطرة حتى الآن على العديد من المدن والقرى والمواقع والمراكز والمعابر الحدودية.هذه المواجهة المسلحة للنظام وعصاباته لاقت منذ البداية دعما عربيا وعالميا، خاصة بعد أن تزايدت جرائم النظام بشكل وحشي يرقى لحد الإبادة الجماعية، التي وصلت إلى استعمال السلاح الكيماوي في ريف دمشق في أغسطس الماضي، لذلك بدأ الحديث عن التدخل العسكري الدولي العربي خاصة لإقامة مناطق عازلة تحمي الشعب السوري من طيران النظام وجيشه، بعد وصول عدد القتلى من الشعب السوري إلى ألاف تتزايد يوميا واللاجئين المهجّرين إلى ملايين.

وبدأ التسلق على ظهر الثورة السورية

مع استمرار تقدم فصائل الثورة السورية وتزايد قوة الجيش السوري الحر خاصة بعد انشقاق شخصيات عسكرية كبيرة ومشهورة عن الجيش النظامي، وكشفها لمزيد من التفاصيل عن جرائم النظام وداعميه الروس والإيرانيين وحزب الله اللبناني، خاصة أنّ هذا الدعم اشتمل على السلاح والمال ومن جانب الإيرانيين وحزب الله إرسال ألاف المقاتلين للقتال مع الجيش النظامي، وقد اعترف حزب الله صراحة بهذا الدعم خاصة بعد سقوط عشرات القتلى من عناصره داخل سوريا، كان وما يزال يتمّ تشييع جثامينهم علنا في الضاحية الجنوبية من بيروت، دون أن يقابل تدخله وأعماله هذه بأية ردة فعل لبنانية رسمية، لأنّ حزب حسن نصر الله عمليا هو دولة داخل الدولة اللبنانية بل أقوى من أجهزة هذه الدولة. هنا بدأت فصائل جديدة تخترق الحدود السورية خاصة عبر الحدود التركية والعراقية لتلتحق بالقتال ضد الجيش النظامي، متخذة هذه القوى أسماءا وخلفيات إسلامية، كان أولها ما عرف باسم quot;جبهة النصرةquot; مترافقا مع معلومات استخباراتية غربية أنّها مجرد تابع من توابع تنظيم القاعدة، من هنا بدأ علانية تراجع التفكير الغربي في أي نوع من أنواع التدخل العسكري ضد النظام الأسدي، رغم تصاعد الإدانات الدولية لجرائم النظام التي ترقى لحد الإبادة الجماعية المنظّمة. وعلى الفور أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية quot;جبهة النصرةquot; على قائمة المنظمات الإرهابية في العالم، وكان هذا القرار ضربة قوية لسمعة الثورة السورية في المحافل الدولية، مترافقا مع تشتت فصائل هذه الثورة وخلافاتها التي وصلت لحد تبادل الاتهامات والتخوين والعمل لخدمة النظام، خاصة أنّ بعض هذه الفصائل مجرد تشكيلات في الخارج لا وجود لها داخل المجتمع السوري وبعض قياداتها وكوادرها مغتربين خارج سوريا منذ عشرات السنين، وبالتالي لا حضور لهم داخل نسيج المجتمع السوري.

ثم جاءت الضربة القاصمة من داعش وأخواتها

وفجأة دخلت على خط الثورة السورية مجموعات لم نسمع بها أو نعرف أية معلومات عنها سابقا، مثل تشكيلات تحت اسم quot;جيش الإسلامquot; و quot;الدولة الإسلامية في العراق والشام،داعشquot;، معلنين عن أهداف ضبابية مخيفة للدول الغربية خاصة موضوع إقامة quot;الدول الإسلاميةquot; وإحياء quot;الخلافة الإسلاميةquot; مرتكبين قتالا وجرائم في مواجهة الجيش السوري الحر نفسه، مما أدّى لتزايد المخاوف الغربية من هذه التنظيمات الأصولية التي من الأساس سمعة أمهاتها وأخواتها ليست جيدة ولا نظيفة في الأوساط والمجتمعات العربية قبل الأوربية والأمريكية. وترافق ذلك مع تضليلات جاءت لخدمة النظام خاصة تلك الفتاوي المشبوهة التي صدرت منسوبة لشيوخ تبرأ بعضهم منها، أقذرها الذي أساء لسمعة نضال الشعب السوري ضد النظام المستبد، ما عرفت بفتوى (جهاد النكاح) خاصة أنّه مورست فعلا من سفر العشرات من الفتيات والنساء، دخلن عبر عدة حدود ليجاهدن ضد النظام بفروجهن، وعادت منهن بعض النساء التونسيات تحديدا، معترفات صراحة بالصوت والصورة أنّهن كنّ يمارسن الجنس كل ليلة مع عشرات quot;المجاهدينquot; ليفرّجن عنهم ويقوين من عزائمهم...إلخ هذه السخافات المغلّفة بغىف الدين.

ويبقى التخوف الغربي مربوطا بأمن دولة الاحتلال الإسرائيلي

إزاء تصاعد نفوذ هذه الجماعات الإسلامية المشبوهة التوجه والهدف، تصاعد الخوف الغربي، لأنّ استراتيجية هذه الدول تعرف بالمؤكد أنّ بقاء نظام الأسد هو الأضمن لأمن وبقاء دولة الاحتلال الإسرائيلي، فقد تمّ تجريب هذا النظام ميدانيا طوال عشرات السنين، وهو محافظ بهدوء وأدب جم على الأمن والحدود الإسرائيلية، فلم يطلق عليها رصاصة منذ عام 1973 ولم يردّ على أية عملية او اختراق وقصف إسرائيلي داخل سوريا، ولم يسمح لأي فصيل فلسطيني بالقيام بأية عملية ضد الاحتلال عبر الحدود السورية. لذلك فبقاء هذا النظام المجرّب أفضل ألاف المرات من زواله ومجيء هذه القوى التي تتلحف بغطاء الإسلام مهدّدة دولة الاحتلال متوعدة بقيام الدويلات الإسلامية الوهمية المقرونة بالموت والجلد والاغتصاب والإعدامات لكل من هو غير مسلم.

ومع هذا التراجع الغربي في التصدي للنظام الأسدي خاصة بعد ابدائه المزيد من حسن النوايا إزاء الاحتلال الصهيوني واعترافة بامتلاك أسلحة كيماويه وقيامه بتسليمها والتعهد سرا وعلانية بالمحافظة على أمن وحدود دولة الاحتلال، بدأت المواقف العربية في التراجع ومحاولة بعظها ترميم علاقاتها مع النظام الأسدي بما فيها حركة المقاومة والممانعة quot;حماسquot; كما بدا من رسائل الغزل والتقرب والندم على ما سبق الصادرة عن خالد مشعل ، رئيس المكتب السياسي للحركة. لذلك فكافة المعطيات بناءا على ما سبق لا توحي بقرب انهيار هذا النظام المستبد رغم كل جرائمه المستمرة بدون توقف، بل نستذكر بيت الشاعر quot;جريرquot;:

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا فابشر بطول سلامة يا مربع

أنا لا أتمنى ذلك، لأنّ فيه المزيد من عذابات وهجرة ولجوء الشعب السوري، ولكن الواقع الميداني السائد مخالف للأمنيات:

وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

www.drabumatar.com