بغداد غارقة ليس في الامطار فحسب، بل إنها غارقة في الالام والاحزان والمآساة، مشوحة بالسواد، وكأنما الفرح لم يدق بابها يوما، وكأن كتب عليها منذ هولاكو ان تأن تحت اقدام الطغاة والغزاة ، وان ابتسم لها القدر ذات يوم واعطى لها فسحة من الوقت تألقت وانتجت واعطت دون مواربة او حساب.

بغداد الجميلة ذات الاسماء الخمسة، هي اليوم غريقة وتعز نفسي ان اسميها قبيحة، يقودها بعض من السارقين الكاذبين الجاهلين الافاقين، كل كفاءتهم هو انهم ذوو لحى او من أحزاب قريبة من السلطة، يسعون في الارض كل يوم الى خرابها، وبإسم الدين والقرآن والسلطان يغطون أعمالهم النتنة وسرقاتهم التي امتلئت بها بنوك دول الجوار والاقليم.

ويالتنا ننتهي عند حد معين، فمآساة بغداد تجدد عند كل صباح ومساء وفصول اوجاعها خالدة تكاد تظن انها نار أزلية لا تنتهي، وعداد احزانها يسجل اشكالا شتى من صنوف الموت للجسد والروح والامل، يكشف عن موت بغداد التي عرفناها والتي قالوا عنها ذات يوم بغداد والشعراء والصور... ذهب الزمان وضوعه العطر، فمابقى للشعر من معنى، وغابت عنها اجمل الصور، ولم يبق فيها سوى جبالا من الهم والهرم.

بغداد المدنية تلاشت امام سطوة الجهلوت، وحينما تتجول في طرقاتها وازقتها ترى أحزمة البؤس شاخصة في كل مكان، ومعاول الهدم حطمت الدار والانسان، وفي كل بيت كارثة واحزان، ومقادير التخلف تغلغلت في البنيان والناس وفي الوجدان لتبني اصناما تعبد، واسوارا تقدس، لتحيل بغداد الى كانتونات، في النفوس قبل النصوص او الشخوص، لم نشهد تباعدا لاهل بغداد عن بعضهم البعض كما هو حاصل اليوم.

والمشهد الاكثر ايلاما، ان معظم النخبة المدنية والمجتمع المتمدن قد غادر الوطن الى غير رجعة، والتنوع الديني بدأ يتقلص، والاحياء المختلطة ذات التنوع المذهبي تكاد ان تندثر، لذا بغداد تشهد عهدا جديدا من الصورة والعبارة.

بغداد غارقة بمياه الامطار، سابحة في غير هدى تحيط بها الاهوال والاخطار، والجهل يقيد ايديها، والفساد يكبل ارجلها، تنادي بأعلى صوتها اني أغرق.. أغرق.. أغرق.

[email protected]