يثير انخراط حزب الله في المعارك الدائرة في سوريا والانحياز إلى النظام السوري في مواجهة شعبه قلق الحكومة الإسرائيلية وحذرها من العواقب المحتملة لمثل هذا الانخراط، وما قد يسفر عنه من احتمالات توطيد العلاقة العضوية بين حزب الله والنظام السوري، وتوريد مزيد من الأسلحة التي يعجز النظام عن تهريبها أو تخبئتها عبر الحدود السورية اللبنانية المهيمن عليها من حزب الله إلى لبنان.

دراسة صادرة عن quot;مركز بيغن-السادات للدراسات الإستراتيجيّةquot;، كشفت أن الجيش الإسرائيلي اعد خطة حديثة لاجتياح جنوب لبنان براً وضرب quot;حزب اللهquot;، مشيرة إلى إنّ الحزب، وبمساعدة كل من إيران وسوريّا، تمكّن من جمع ترسانة من الأسلحة لم يسبق لها مثيل، وأنّ القوّة الصاروخيّة التي يمتلكها قادرة على ضرب أيّ مكان في quot;إسرائيلquot;، ولكن، في المقابل، فإنّ quot;إسرائيلquot; أعدت خطة عسكريّة كاملة ومتكاملة للمواجهة القادمة، مشدّدّةً على أنّ الجيش الإسرائيلي يريد توجيه quot;ضربة سريعة ومدمرة وقاضيةquot; للحزب.
الهدف الإسرائيليّ الرئيسيّ من هذه الاستعدادات المكثّفة هو quot;شطب quot;حزب اللهquot; عن خارطة التهديد، ومنعه من إعادة تسليح نفسه، لسنوات طويلة بعد الضربة القاضية التي سيتلقاها، فبحسب تسريبات إعلامية نشر عناصر الحزب في جنوب لبنان ووادي البقاع شرق لبنان، أكثر من ثمانين ألف صاروخ وقذيفة موجّهة صوب quot;إسرائيلquot;، وهذه الترسانة مؤشر خطير جداً على التهديد المحدق بالجبهة الداخليّة الإسرائيليّة.
تؤكد الدراسة أنه على الرغم من تورط الحزب بشكل كبير في الحرب بسورية، فإنّ قدراته الهجوميّة لا تزال في ارتفاع مستمرٍ من ناحية الكم والكيف، حيث يُركّز الآن على استيراد صواريخ دقيقة طويلة ومتوسطة المدى بهدف إطلاقها لشلّ البنية التحتيّة الإسرائيليّة الحساسّة (الموانئ، مطار بن غوريون الدوليّ ومحطات توليد الطاقة) والمراكز المهمّة للجيش الإسرائيلي.
حزب الله يمتلك بطاريات جو متقدّمة لمواجهة سلاح الجو الإسرائيلي، ويملك صواريخ متطورّة لاستهداف البحرية الإسرائيليّة ومواقع التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط. وبحسب الدراسة فإنّ quot;فيلق القدسquot; الإيرانيّ مسؤول عن وصول الأسلحة للحزب في لبنان، حيث يتم في الغالب إخفاؤها داخل منازل المدنيين، مع أسطح قابلة للسحب، تمكن من إطلاق صواريخ على إسرائيل، معلنة quot;انّ واحداً من بين كل عشرة منازل في لبنان يُستخدم منصة لإطلاق الصواريخ أو تخزين الأسلحة، وان quot;حزب اللهquot; وإيران بإخفائهما قوة نيرانهم وسط السكان المدنيين اللبنانيين، يُهددون حياتهم في المواجهة القادمةquot;.
في إسرائيل يجري إعداد الرد العسكري على هذا التحدي، بحيث تعتمد تعتمد على توجيه ضربة سريعة ومدمرّة وقاضية. إذ إن هدف الخطة هو القضاء نهائياً عليه كقوة مقاتلة، وذلك استناداً الى الموارد الاستخباراتية الجديدة والقوة الضاربة الجوية، التي لم يتم استغلالها إلى أقصى طاقاتها، والتي تمكّن الطائرات المقاتلة من تدمير مئات الأهداف في اليوم الواحد مع القنابل الموجهة بدقّة، وهو ما يمثل مستوى هائلاً من القوة النارية.
الجدال والسجال القائم بين قادة الجيش في السنوات الأخيرة بشأن أفضل السبل لإطفاء نيران صواريخ quot;حزب اللهquot;، وفيما إذا كانت هناك حاجة لإرسال قوات برية لا تزال قائمة، ويبدو أنّ الجيش قد انحاز لأولئك الذين أيّدوا أو يعتقدون أنّ جميع العناصر ضروريّة في صراع واسع النطاق، لضمان الانتصار السريع، وكجزء من استمرار التركيز على القوات البريّة قامت المصانع الحربيّة بتصنيع طرازٍ متقدّم من دبابة (ميركافا) وأنتجت أخيراً أيضا ناقلات الجند المدرعة (APC) لكتائب المشاة.
وفي السياق ذاته، يُجري الجيش الإسرائيلي مناورات حربيّة وتدريبات لمختلف القوى تركّز على الحصول على المكونات المختلفة للتعاون إلى أقصى حد ممكن عند الانتقال إلى أراضي العدو، ذلك أنّ القوات البريّة، اكتوت بشدة من الأداء الضعيف لها خلال حرب تموز 2006، وبالتالي تمّ التحضير لصراعٍ جديدٍ مع quot;حزب اللهquot; من خلال الغزو والمداهمات في جنوب لبنان لتدمير البنية التحتية للحزب، وذلك باستخدام مزيج هائل من الدبابات والمشاة والمدفعية وسلاح الهندسة.
وتشير الدراسة إلى أنّ quot;حزب اللهquot; يخشى للغاية من قوة النيران الإسرائيلية، ولكن مع ذلك يستغل وجوده في سوريّا، في محاولة لاستيراد الأسلحة الإستراتيجية إلى لبنان لاستخدامها لاحقاً ضد إسرائيل. مدعية إنّ إمدادات الأسلحة الإيرانية تصل بانتظام إلى سوريّا، ثم يتم تهريبها للحزب في لبنان، إذ إنّ النظام السوريّ بات مديناً لإيران وquot;حزب اللهquot; في بقائه، وأنّ النظام يتوافق تماماً مع الطلبات الإيرانيّة لتسهيل نقل الأسلحة لحزب الله.
إسرائيل وضعت خطوطاً حمراء واضحة تحظر نقل الأسلحة المتطورة إلى لبنان، ويقوم سلاح الجو الإسرائيليّ بقصف الشاحنات المحملّة بالأسلحة، إذ يسعى quot;حزب اللهquot; لامتلاك صواريخ SA-125 أرض جو روسية الصنع من أجل تعطيل قدرة سلاح الجو الإسرائيليّ على العمل في لبنان.
برنامج التسلح الإيراني لـquot;حزب اللهquot;، الذي يتمتع أيضاً بالمساعدة السورية، غالباً ما يضع الجيش الإسرائيلي في موقف صعب، حيث يجب عليه أنْ يُقرر بين اعتراض شحنات الأسلحة والمخاطرة بصراع مع quot;حزب اللهquot; أوْ السماح له بمواصلة بناء ترسانته، فهل يتحول حزب الله على الرغم من ترسانته العسكرية المتعاظمة إلى الحلقة الأضعف في الصراع الحالي الدائر في المنطقة (سياسياً وعسكرياً) ويتم تنفيس احتقان المنطقة عبر توجيه ضربة مؤلمة لترسانته العسكيرة، ما يسهل تالياً أي تفاهمات سياسية قد تكون بالأساس موجهة لمقايضة مراكز القوى في سوريا، بتقليل مصادر الخطر على الدولة العبرية!؟
.. كاتب وباحث