لا يتمثل عنصر المفاجأة في فوز المعتدل حسن روحاني بانتخابات الرئاسة الإيرانية في كونه المرشح المعتدل الوحيد من بين خمسة مرشحين محافظين ليكون الرئيس السابع للجمهورية الإسلامية الإيرانية، بل في قدرته على حسم سباق الانتخابات من الجولة الأولى من دون الحاجة إلى جولة فاصلة مع أحد المرشحين المحافظين.

المرشح المدعوم من الإصلاحيين حصد وفقاً للأرقام التي أعلنها وزير الداخلية مصطفى محمد نجار أكثر من 16 مليون صوتاً أي أكثر من 50% من أصوات الناخبين، مستفيداً من من انسحاب المرشح الإصلاحي الوحيد محمد رضا عارف، ودعم الرئيسين السابقين المعتدل علي اكبر هاشمي رفسنجاني، والاصلاحي محمد خاتمي.

روحاني تقدم على واحد من أشرس المرشحين المحافظين رئيس بلدية طهران ومرشح الرئيس الحالي أحمدي نجاد، محمد باقر قاليباف الذي حصل على 6.7 ملايين صوت، وكبير المفاوضين في الملف النووي سعيد جليلي الذي حصل على 4.1 ملايين صوت، في حين نال القائد السابق للحرس الثوري الإيراني محسن رضائي ثقة 3.8 ملايين ناخب في انتخابات بلغت نسبة المشاركة فيها نحو 72%، ما يعني عقاباص من قبل الشارع لمرشحي هذا التيار وعدم رضاهم عن نهجهم التصادمي مع الغرب.

مجيء روحاني إلى الحكم من الجولة الأولى اعتبر من قبل الإصلاحيين quot;انقلاباًquot; على سياسات الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد ومن خلفه معسكر المحافظين. وينتظر الإيرانيون من رئيسهم الجديد تنفيذ وعوده بالانفتاح على كل الأقطاب السياسة داخليا واعتماد الحوار على المستوى الإقليمي والدولي، فالانتخابات تأتي على خلفية أزمة اقتصادية مستفحلة ناجمة عن العقوبات الدولية المفروضة على البلاد بسبب برنامجها النووي، وبعد اربع سنوات من فوز الرئيس المحافظ محمود احمدي نجاد بعد موجة من الاحتجاجات في الشارع.

انتخاب روحاني رئيساً لإيران من الجولة الأولى وهو المرشح المعتدل (لا الإصلاحي) يمثل إرضاءاً لتيارالإصلاحيين وتغييراً لنهج الرئيس السابق نجاد، قد لا يكون الفرق كبيراً بين المرشحين، لكن عنصر المفاجأة أنه يمثل استجابة لرغبة الشارع الإيراني بالتهدئة مع الغرب وتجاوز العقوبات الدولية، وربما كان للحسم المبكر دلالات لها علاقة بالشأن السوري وضرورة التفرغ السريع لتداعياته.

روحاني الغربي التعليم، والمتخرج في جامعة غلاسكو الاسكتلندية، كما كان خاتمي خريج جامعات ألمانيا، يعول عليه إدارة حوار سريع مع الغرب لتجاوز العقوبات الدولية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي وهو ما شكل ضائقة اقتصادية كبيرة زاد من حدتها وقوف إيران إلى جانب النظام السوري وتمويل اقتصاده على مدى عامين من العقوبات المفروضة عليه، ما حدا بالدول الغربية إلى الترحيب بانتخاب روحاني ومحاولة استمالته لتليين مواقفه تجاه الملفات العالقة مع الغرب، وبالذات الملف النووي والأزمة السورية، على أن ما تقوم به الحكومات الغربية لا يعدو ذراً للرماد في العيون على أساس أن أي مرشح مهما كانت توجهاته لا يمكن أن يتجاوز السقف المسموح له، وهو ولاية الفقيه وتعليمات المرشد الأعلى لإيران.

حتى تمنيات المعارضة السورية وبيانها الذي توجهت به إلى روحاني بدا quot;ساذجاًquot; إلى حد بعيد في مقاربة أو استجداء تبدل جوهري في موقف إيران مما يجري في سوريا، وربما كان من باب المجاملات السياسية والدبلوماسية، وquot;إقامة الحجةquot; على حليف النظام السورين ليس إلا...

رغم المفاجأة التي تملكت المتابعين من حجم الإقبال على التصويت ونسبة المشاركة ونجاح روحاني في تجاوز السباق، والنجاح في الوصول إلى سدة الحكم من دون الحاجة إلى جولة ثانية، إلا أن روحاني قد يكون الإشارة الخفية للغرب لمواصلة النهج الدبلوماسي في التعامل مع المفاوضات وإدامة جلساتها، لكنه من ناحية أخرى قد لا يكون الرجل المناسب لما هو آت من مواجهة عسكرية محتملة مع الغرب في سوريا، فيما إذا قررت الولايات المتحدة وحلف الناتو التدخل عسكرياً في سوريا، وقد يعني وجوده في سدة الحكم في هذا السياق، كما هو حال الموقف الروسي، بداية تراجع quot;اضطراريquot; أمام جموح استعمال القوة الذي باتت الولايات المتحدة تلوح به في سوريا، أو تكاد..


كاتب وباحث