كلّ الأحداث على الأرض السورية وما حواليها من quot;أصدقاءquot; للشعب السوري، أو quot;أعداءquot;، أو ما بين أولئك وهؤلاء من quot;أنصاف أصدقاءquot; وquot;أنصاف أعداءquot;، تقول أنّ مسار الثورة السورية تغيّر، لا بل تبدّل تبديلاً. الحرب الأهلية في سوريا وعليها باتت أجنداتها الإقليمية والدولية مكشوفةً لكلّ العالم.

quot;القصيرquot; وما دار فيها من معارك بين جيش النظام وأصدقائه من جهة، وبين quot;جيوشquot; المعارضة وأصدقائها من جهة أخرى، أثبتت مرة أخرى وأخرى وأخرى، كما في سابقاتها من المعارك الطاحنة بين الطرفين، أنّ الحرب الأهلية السورية، هي حرب دينية بإمتياز؛ هي حربٌ فيها من الدين ما يكفي ليس لتدمير سوريا وشعبها فحسب، وإنما لتدمير المنطقة بأكملها. الحرب السورية هذه، لم تعد حرباً بين نظامٍ فاشيّ وشعبه، كما ذهب إليها أهل الثورة في الأول من اشتعالها، وإنما هي حربٌ فصيحة، بكلّ أسف، بين دينين، أو مرجعيتين؛ شيعية للنظام وسنية للمعارضة.

ففي الوقت الذي رأينا فيه أقطاب المرجعية الشيعية من لبنان إلى إيران، مروراً بالقرداحة، تفتي بquot;شرعيةquot; القتال ضد quot;الجماعات التكفيريةquot; السنية، رأينا في المقابل أهل المرجعيات السنية، وعلى رأسهم رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الداعية يوسف القرضاوي، الذي يعتبر المرجع الروحي لجماعة الإخوان المسلمين، كيف يفتي فتاوى quot;سنيةquot; مضادة. ففي أكثر من خطبة ومناسبة له، quot;كفّرquot; القرضاوي فيها النصيريين معتبراً إياهم quot;أكفر من اليهود والنصارىquot;، داعياً quot;المسلمين في كل مكان إلى نصرة إخوانهم في سورياquot;.

القرضاوي مثله مثل حسن نصرالله وسواه من أهل المرجعيات الشيعية المناصرة للنظام السوري، كان صريحاً وواضحاً وصادقاً مع نفسه في معركة القصير، كما قبلها، حين تساءل: quot;كيف لـ100 مليون من الشيعة أن ينتصروا على مليار و700 مليون مسلم سني؟ لأن المسلمين متخاذلونquot;، بحسب تعبيره.

وهو الأمر الذي دفع بالبعض من أهل المرجعيات السنية الأخرى، كالشيخ د. محمد العريفي، إلى القول بأنّ quot;المعركة في القصير فاصلة في تاريخ المسلمين الحديثquot;، محذراً المسلمين من أهل السنة، من أن quot;هزيمة الثوار هي تمكين لإيران وأذنابها في سوريا، ولتنتظر الدول الأخرى (قاصداً دول الخليج العربي) دورها، مذكّراً إياهم بالمثل القائل: quot;أُكلت يوم أُكل الثور الأبيضquot;.

إذن أهل الدين ومرجعياته، على الجبهتين، الشيعية والسنية، واضحون في مواقفهم عما يجري على الأرض السورية، وضوح دينهم. كلا الطرفين يستمدّان شرعية موقفهما من الأزمة السورية من شرعية دينهما. ما يعني أنّ الدين بات المحرّك الأكبر للحرب الدائرة في سوريا.

القصير كانت معركة quot;سنية شيعيةquot; بإمتياز. من هنا فُهم أو فُسّر سقوطها، على مستوى الثنائية الضدية القاتلة quot;سني / شيعيquot; بإعتباره quot;سقوطاًquot; للطرف الأول لحساب الطرف الآخر.
هذه الحقيقة quot;الطائفيةquot; بإمتياز، شاهدناها وتابعناها عبر مختلف وسائل الإعلام والإتصال، لدى أهل الشارعين، الشيعي والسنيّ. الأول فرح ووزع الحلوى لسقوط القصير، فيما الثاني حزن وشرب القهوة المرّة على روحها.

لكنّ quot;الحقيقة السوريةquot; الغائبة والحاضرة، كما أراها في الأقل، تقولّ أنّ سقوط القصير، كان فيه من سقوط سوريا أكثر من quot;سقوطquot; القمر السني أو quot;صعودquot; الهلال الشيعي؛ ومن سقوط الثورة أكثر من quot;سقوطquot; المعارضة أو quot;صعودquot; النظام، ومن سقوط السوريين أكثر من quot;سقوطquot; أهل السنة أو quot;صعودquot; أهل الشيعة، ومن سقوطٍ quot;جينف 2quot; أكثر من quot;سقوطquot; واشنطن أو quot;صعودquot; موسكو.

سقوط القصير، يعني أن السوريين كلّهم، بلا استثناء، شيعة وعلويين وسنة وبهائيين ومسيحيين ودروز وإيزيديين ويهود واسماعيليين، وعرب وكرد وأرمنيين وسريانيين وآشوريين وتركمان وشركس وجاجان، كلّهم سقطوا في حربٍ مفتوحةٍ لن تنتهي إلا إلى المزيد من سقوط سوريا والسوريين.

سقوط القصير يعني أنّ quot;سوريا السنيّةquot; ستُسقط quot;سوريا العلويةquot; أو بالعكس!
سقوط القصير، يعني أنّ quot;المحور السنيّquot; سيُسقط quot;المحور الشيعيquot; في سوريا وبسوريا، أو بالعكس!
سقوط القصير يعني أنّ quot;سوريا الأكثريةquot; ستُسقط quot;سوريا الأقليةquot;، أو بالعكس!
سقوط القصير يعني أن quot;سوريا العربيةquot; ستُسقط quot;سوريا الكرديةquot; أو بالعكس!
سقوط القصير يعني أن سوريا ستُسقط سوريا، والسوريين كلّهم سيُسقطون السوريين كلّهم!

في كلا السقوطين سيُسقط الشعب الشعب، وستُسقط الثورة الثورة، لتسقط معها حريتها وكرامتها.

ما يجري الآن من حصارٍ لعفرين، من قبل عشرات الكتائب المحسوبة على الجيش الحرّ، جيش الثورة السورية، بعد سقوط القصير مباشرةً، هو بعضٌ من quot;ثمارquot; ذاك السقوط، أو بعضٌ من سقوط سوريا في سوريا، وسقوط أهل الثورة على أيدي أهل الثورة ذاتها!
ما يجري الآن من سكوتٍ لأهل المعارضة، السياسية والعسكرية، على حصار عفرين، هو سكوتٌ على سقوط الثورة، أو سقوط أهدافها!
ما يجري الآن من سجنٍ لحرية عفرين، يعني أنّ الثورة السورية بدأت تنقلب على حريتها!
ما يجري الآن من تكفيرٍ لعفرين، يعني أن الثورة السورية بدأت تفقد عقلها!
ما يجري الآن من تجويعٍ لعفرين، يعني أنّ الثورة السورية بدأت تأكل أهلها!
ما يجري الآن من قتلٍ لعفرين، يعني أنّ الثورة السورية بدأت تقتل نفسها!

حصار عفرين، هو حصار للثورة السورية نفسها، كما أن حرية عفرين هي من حرية الثورة السورية نفسها.
أطلقوا سراح عفرين، عفرين هي سوريا..سوريا هي عفرين!


[email protected]