هل ولى كذب الزمان ودخل الحب والأمان الى مساجد الأيمان بظهور قِيم الأنسان؟
تناول الكثيرون موضوع التوجه الخاطئ الذي ورد في خطبة القرضاوي بمسجد في قطر ومايتعلق منها بالأكثرية السنية والأقلية الشيعية في العالم ودعوة المسلمين للجهاد في أرض سوريا.

وتحديداً، أن المرء لم يسمع بعالم دين مسلم يدعو الى القتل والحث على الجريمة بشكل رسمي علني يستمع أليه المصلون و يُبث على الملأ في الفضائيات كالأهوج العرعور مثلاً. ولم أصدق أذني أن يشارك الشيخ يوسف القرضاوي رئيس هيئة علماء المسلمين من منبر للصلاة في مسجد وفي دولة قطر، بالجهاد لقتل الشيعة ومقارنته بنسبة الشيعة quot; الأقلية المارقةquot; والنسبة الكبيرة للسُنة quot; الأكثرية الصالحةquot;، تاركاً كل قيمة الأنسان وقيم الحضارة الأنسانية. وعلى الأنسان المسلم أن تتداخل وتتدخل أفكاره ليعي مايقوله ويحث عليه عالم دين تقمص الثوب السياسي أو هيئة دينية لاتُحاسب من يرأسها ولا تبتُ في أراء لا تتطابق مع الرسالة الخالدة للقرآن الحنيف وتعاليم الأزهر ولا تُناقش أو تُراقب أعضاء الهيئة وشيوخها وتتبين موقفهم قبل خطابات تكفيرية، و ردُ دعوات رئيسهم العلنية لقتل المسلمين الشيعة.

لو ولد الرسول الأعظم محمد (ص) من جديد لأمرنا نحن المسلمون أزالة الكفّرة التي تصطف بيننا وتستغل الفكرة الأنسانية للدين من مساجدنا وتدنيسهم مجتمعاتنا وبيئتنا وتربيتنا الأسلامية الحقة.الشيخ القرضاوي خرج عن طوره بمهاجمته الطوائف الشيعية في العالم العربي والأسلامي وفقد مهمته وذاته كأنسان بشعوذة الدين الأسلامي وبسرقة أحاديث كاذبة منسوبة الى الرسول تحث على مقاتلة المسلمين الشيعة في جهاد جديد ينبذه المسلمون الصادقون من كافة الطوائف الأسلامية.

وتحديداً، الذي لايمثله القرضاوي هو أنه فوّضَ لنفسه سلطة ألهية لقتل الناس بدلاً من جمع أمة المسلمين والسعي الى تألفهم وتأخيهم ومحبتهم، وفوّض لنفسه سلطة أجتماعية دون أدراك ووعي للترابط الذي يجمعنا في عشائر وعوائل في التزواج الشرعي بين الشيعة والسُنة في معظم بلادنا العربية ( الجبوري والعبيدي والزبيدي والشمري والقريشي والسامرائي والتكريتي والبدري والعزي والعزاوي وووووو)، وما يمثله هذا الرجل الأهوج كونه وحش بشري يدعو في غيظ وحقد الى قتال المسلمين لبعضهم ويحث الشباب العربي التواق الى الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة، بأستغلالهم بأسم ديننا على الأقتتال والأجرام...لا في الأرض المسروقة من الصهيونية وأنما في أرض سوريا المنهكة، دون أدراك ومعرفة أن 80% من أفراد الجيش العربي السوري هو من الطائفة السنية التي تحاول دفع الشر والخطر عن سوريا من الشمال الى الجنوب وأخراج الأرهابيين من شذاذ الأفاق والمرتزقة...أنه الأمر الذي جعل من كهنة الغرب كرجل الدين الأمريكي المتطرف تيري جونز، الى أن يقوم دون تردد بحرق القرآن والتصريح quot; أنه لايكره المسلمين ولكنه يكره فتاوى القتل التي يدعو أليها دعاة الأسلام quot; وهو الأتهام الموجه الى علماء المسلمين حيث تراهم المجتمعات المتحضرة على أنهم مجموعة من القتلة المجرمين يترأسون زمر الأرهاب التي تمارس الجلد والقتل والذبح بنفس وصايا زعيمهم الروحي أسامة بن لادن وقيادات القاعدة وطالبان.

المؤلم في خطاب القرضاوي الأخير من مسجد في قطر أنه لايرتقي أطلاقاً الى تعاليم الأسلام التي يحاول علماء المجتمع المدني الأسلامي أصلاحها وتوجيه الجيل الجديد وفق أصولها في التفسير والتعليل والتبرير والتربية اليومية المدرسية بتحريم قتل المسلم لمسلم آخر، كما لايرتقي خطابه الى نضج وجدوى العمل الإيجابي المثمر وحوار الأطراف ووقف التناحر والتنازع على السلطة دون تشجيع شخصي منه الى حلف الناتو وتركيا للتدخل. كما أن خطبته هذه ولاتسعى الى دعوة الشباب المسلم للإنصراف إلى العلم والعمل الإنساني المفيد المنتج للمجتمع، والبحث عن حلول حقيقيّة علميّة لمشاكل بيئاتهم الخطيرة وكيفية تطويرها، والتعلم من شعوب بلغت مستويات رائعة من التقدم والنضج ومرحلة العقل والمعرفة لقيمة الأنسان.

يا ترى، إنّ الواحد منّا يتألّم بإحباط شديد على حرق شجرة أو جرح حيوان، فكيف الأمر أذا تعلق بوحشية أطلاق قذيفة أو تخريب مبنى؟ فكيف يستطيع مسلم ما أن يدعي الأسلام وهو يذبح مسلماً آخر بأسم المذهب، العقيدة، أو القومية؟

كان العراق وسوريا ومصر تحديداً نبراساً للحضارة والرقي والإنسانيّة على مدى قرون طويلة، لتصبح في القرون الأخيرة، مرتعاّ للعنصريين والمجرمين والمجانين والمرتزقة، يسرحون فيها ويمرحون، وزمر الدين المشعوذة تتسلى بدعوات القتل والسحل والتخريب والتدمير وتعيث وتعبث بمباركة دينية وخطبة رعناء، بينما يتقدم العالم المتحضّر من حولنا وينظر الى شعوبنا بشفقة.

وفي كتابات عديدة نشرتها سابقاً، كان رأيي المبسط هو أن الدعاة والمجتهدين والأئمة وخطباء المساجد الشيعية والسنية ليسوا علماء سياسية أو خبراء حرب ولايمتلكون مادة أختراع حديثة تلتصق بها اسمائهم، ولايصنفون quot; علماء quot; وتزداد حالتهم بؤساً وهمجية عندما تستأذنهم وحوشاً بشرية على السماح لهم على الأقتتال والتخريب. وأن دورهم تجاوز الوعظ نشر التربية الاخلاقية والفضيلة التي دعا أليها الرسول الأعظم (ص) وحثهم عليها quot; الأيمان بالله وعدم ايذاء الناسquot;. لم نسمع بعالم يدعو الى حمل السلاح للقتل، وتطاول القرضاوي على المسلمين الشيعة يسئ الى الأسلام ومقاصد الشريعة الأسلامية والتعليم الحضاري الأنساني الذي وضع القرآن أسسه وتعاليمه التي يفترض به أن يتبعها ويأمر بها. وأظن أنه يُفترض بالمسلمين الشيعة والسنة المطالبة بطرد القرضاوي من قطر وأبعاده منها ومحاسبته، حيث يسيئ فيها الى أهلها ويدنس مساجدها بالحث على الكراهية بين الناس بسبب إختلاف المعتقدات وطرق التعبد. كيف يتقدم المجتمع عندما يدعو رجل دين الى تجنيد الشباب الأميين والبسطاء ولبس الأحزمة الناسفة لتفجير أنفسهم وقتل الأخرين والحث على الجهاد في سوريا والعراق ولبنان بينما ينظر المجتمع الدولي ويبحث عن طرق لحل الأزمة وأنهاء التخريب حالاً ومطالبة القوى السورية الوطنية للمشاركة في مؤتمر السلام الدولي quot;جنيف 2quot; المقترح عليهم.
فبدلاً من الدعوة الى القتل بإسم الدين وتوزيع تذاكر دخول الجنة كان يفترض برجل دين مؤمن الدعوة الى أيقاف القتال و جمع الأموال الخيرية لبناء المدن المُدمرة في حلب وحمص وحماه وريف دمشق وجلب الأشراقة من جديد الى وجوه الشباب و العوائل السورية وأبنائها المُهجرين في خيام رثة على حدود تركيا والأردن والعراق. وكما قلنا سابقاً quot; الدين والسياسية لُعبة لاتنتهي بزمن quot;.

باحث وكاتب سياسي