ترسيخ الثقافة الديمقراطية في المجتمع والمواطنة الفاعلة:

طرح العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الورقة النقاشية الرابعة الأحد الثاني من حزيران 2013 في بلاده تحت عنوان quot;نحو تمكين ديمقراطي ومواطنة صالحةquot;، وأكد خلالها على التزامه بالسير في نهج الإصلاح الذي يضمن التعددية السياسية، وتداول السلطة ومستعرضاً آليات التحول الديمقراطي المدروس الذي يأخذ بعين الاعتبار ثقافة واحتياجات الشعب الأردني.

حظيت الورقة النقاشية الرابعة للعاهل الأردني باهتمام اعلامي عربي كبير حيث قامت الصحف العربية والمواقع الاخبارية الألكيتروية وعلى رأسها موقع ايلاف بنشر ومناقشة تفاصيل الورقة وتبعتها الصحف الورقية الرئيسية في لندن ذات النفوذ والتأثير على الرأي العام. كما نشرتها مواقع اخبارية تابعة لفضائيات الاخبار الهامة. وأثارت ورقة العاهل الأردني الرابعة اهتمام عربي ودولي كبيرين وما يهمنا هنا هو الاهتمام العربي الغير مسبوق في محتوى الورقة الرابعة حيث جاءت في توقيت حساس وخطير في التاريخ العربي الحديث. المنطقة العربية تمر في مرحلة تغيير تميزت بالعنف والاقتتال والتصدع ولكن الأردن تفادى ذلك بفضل قيادة حكيمة وواعية وتجاوب الشعب الأردني مع التوجه الاصلاحي الديمقراطي الذي طرحه الملك من خلال اوراق نقاشية تطرح للتداول والنقاش والبحث.

لم يقلل الملك من الصعوبات والعراقيل امام المسيرة الديمقراطية التي يجب العمل على تذليلها للوصول الى الهدف المنشود.
وقد جاءت الأوراق النقاشية الثلاث السابقة بشكل أساسي للمساهمة في إثراء الحوار الوطني حول النموذج الديمقراطي الذي ينشده الأردنيون وأهدافه، والأدوار المطلوبة من كل الفاعلين في العملية السياسية، والمحطات الواجب عبورها ترجمة لهذا النموذج.

خريطة طريق لبرنامج الإصلاح:

يرسم الملك عبدالله الثاني في ورقته النقاشية الرابعة ضمن سلسلة أوراق لعرض رؤيته لمسيرة الإصلاح الشامل في الأردن في مختلف المجالات، خريطة طريق الاصلاح الوطني وصولا لتجديد اساليب الحكم بما يساهم في تعزيز وتكريس الديمقراطية والمشاركة في صنع القرار بما يسهم في تطوير نظام ديمقراطي لخدمة جميع الأردنيين.

هذه الاوراق النقاشية تجسد نظرة ملكية تقدمية لمسيرة الاصلاح الشامل تحدد خارطة الطريق للمرحلة المقبلة حيث تعبر
الورقة عن طموحات الملك في الاصلاح الشامل، باعتباره اولوية، ينسجم مع روح العصر، بحيث شكلت هذه الورقة نهج عمل للمرحلة المقبلة، ورؤية إستراتيجية عميقة، تعكس الحالة الأردنية بدقة مع التعبير عن ارادة حقيقية في التغلب على المصاعب والعقبات. وألخص فيما يلي بعض النقاط البارزة المقتبسة من الورقة الرابعة:

تجديد الحياة السياسية واحتضان الديمقراطية ضرورة وحتمية لتطور المجتمعات

المواطنة الفاعلة مسؤولية وواجب وشرط أساسي لتحقيق التحول الديمقراطي

نعمل على تطوير نموذجنا الديمقراطي الذي يعكس ثقافتنا واحتياجاتنا

الاستسلام لعقلية اللامبالاة يعطل قدرتنا على المضي قدماً

برنامج التمكين الديمقراطي يرسخ المواطنة الفاعلة ويمكن الأفراد والمؤسسات

التحلي بالاحترام والمروءة مبادئ نعتز بها وعلينا أن نوظفها كأسس للانخراط في الحياة السياسية

حواراتنا ونقاشاتنا يجب أن تُبنى على معلومات موضوعية

وأكرر هنا ما قاله رئيس مجلس أمناء صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، د. عمر الرزاز في حفل اطلاق برنامج التمكين الديمقراطي في المركز الثقافي الملكي أن معالم الورقة الرابعة الأساسية، هي سيادة دولة القانون والمؤسسات والمواطنة الحقة، ونبذ العنف بمختلف أشكاله، والقبول بالآخر وتعظيم قيمة الحوار وأدبيات الاختلاف واحترام التعددية، والمساءلة المرتكزة إلى المعلومة الموضوعية، بالإضافة إلى التطوع والريادة والإبداع الشبابي لخدمة المجتمع، لتشكل بمجموعها لبنات التمكين الديمقراطي الحقيقي والعميق.

باختصار تستهدف الورقة النقاشية التأسيس لنقلة نوعية في تاريخ الأردن السياسي وتحوله الديمقراطي. وهذا يتطلب بالضرورة اشراك المواطن بصنع القرار والمشاركة في الحوار البناء. اثبتت القيادة الهاشمية للقاصي والداني ايمانها وقناعتها بأن الطريق الى الأمام واضحة وهي طريق الاصلاح الشامل والتغلب على المصاعب والتحديات بالعمل الدؤوب والابتعاد عن الشعارات الجوفاء والوعود الفارغة التي تتبناها بعض الاحزاب والجماعات التي تضع مصالحها الفئوية فوق مصلحة الوطن.

لماذا الاهتمام العربي والعالمي؟
الاهتمام العربي بتجربة الأردن الديمقراطية يعود لعدة عوامل أهمها ان الأردن تجاوب مع الربيع العربي بحكمة ورباطة جأش واصرار على الاصلاح والتغيير ومشاركة المواطن في صنع القرار متجنبا الحلول الأمنية الفاشلة والتصدعات في المجتمع. بقي الأردن متماسكا ومتحدا رغم بعض المحاولات للتنغيص من قبل احزاب ومجموعات ذات ايديولوجيات غريبة وولاءات مشبوهة. لم يستطع حزب معين او فئة معينة الاستحواذ على السلطة والانفراد بها لكي تغير الدستور حسب مزاجها واجندتها كما حدث في ليبيا وتونس ومصر. لم يلجأ النظام لسياسة القمع والبطش التي دمرت ولا تزال تدمر سوريا.

لذلك يرى المراقبون العرب في التجربة الديمقراطية الأردنية حالة فريدة من نوعها ويرصدوا باهتمام بالغ التطورات على الساحة الأردنية.
وعلى المستوى الدولي هناك اهتمام بالغ في المسيرة الديمقراطية في الأردن. فمن يتابع الصحف الغربية ذات السطوة مثل النيويورك تايمز والواشنطن بوست والمجلات المتخصصة الأميركية والصحافة البريطانية مثل الفايننشال تايمز ومجلة الايكونومست يجد العديد من التقارير والمقالات التحليلية التي تتابع ما يجري على الساحة الأردنية.

في الوقت الذي نشهد فيه ثورات دموية، وقمع للشعوب في البلدان المجاورة ملك الأردن يتحدث عن ثورة سلمية وبيضاء لتعزيز الديمقراطية، وشراكة حقيقية بين المواطن والدولة.

الأردن ليس جزيرة معزولة عن محيطها العربي الاقليمي والدولي وتتأثر بما يحدث من عواصف سياسية وثورات في اطار ما يسمى الربيع العربي. أدركت القيادة الهاشمية بداية الألفية الثالثة ان الاصلاح الديموقراطي هو المسار الصحيح وبدأت الحوارات من أجل الاصلاح منذ سنوات ووصلت أوجها عدة سنوات قبل انطلاقة الربيع العربي أواخر عام 2010. ومنذ ذلك الوقت حتى الآن قطع الأردن اشواطا كبيرة في مجال الاصلاح والتغيير المدروس متجنبا الارتجالية والحلول المؤقتة والاصلاحات العشوائية الجزافية لارضاء هذه الفئة او تلك او اللجوء للتضميد المؤقت لجروح بحاجة لعلاج ناجع وحقيقي. وفي هذا الاطار الاصلاحي طرح جلالة الملك سلسة من الأوراق على شكل مقالات تثير قضايا الاصلاح وترسم الطريق الى الأمام. الورقة الملكية الرابعة هي انتصار للشعب الأردني.

لندن