عندما يغطى يومك بهالة من الكآبة الظلماء، وعندما تطوق روحك بدائرة الألم النفسي، خاصة إذا كانت الآلام تخص آلام وطن جريح تطعن جراحاته الثكلى كل يوم بسيوف الخصوم والاعداء وتسيل دماءه على الطرقات لتفيض بها مياه دجلة والفرات، بلد تحوّل الى فريسة تنهش في ارضه وسماءه وناسه وكل ممتلكاته كل أعداء الدين وأعداء المذهب وأعداء الحضارات وأعداء الطامعين والسارقين والجاهلين.

الطامعين يستكثرون عليك كرامة العيش وأقسموا ان تتحول حياتك الى حرمان وبؤسٍ وشقاء تعيش على فتات النفايات المرماة على الطرقات
أما الحاقدين على الدين والمذهب فلأنك تنتمي الى طائفة معينة فما عليك الا ان تقرء الشهادتين قبل خروجك من البيت فربما سيكون قدرك من التكفيريين اما الخطف او التفجير فإنك لاتستحق الحياة، وجهاد محاربتهم لك في نظرهم واجب مقدس قبل الذي اغتصب أرضهم وماءهم ومقدساتهم في القدس الشريف، واجب تتلقفهم ايادي حور العين في الجنان الخالدة كما يدعون.

هكذا عندما تغط الروح في أعماق هذا التفكير ولم تأمل ولا تستبصر في الأفق القريب ضوءاً قادماً يخلصك من براثن هولاء بكل أنواعهم وتبدو كل الوسائل عاجزة عن الحلول، فالعالم الحاقد يطوقك صوب حدودك الجغرافية كلها يعبث في حياتك ومقدراتك وعقيدتك واسلوب حياتك ويحصي عليك انفاسك، عندها فقط تتمنى لو تتعطل عندك آلة التفكير ويرقد العقل في الجمود لياخذ إجازة طويلة الأمد، فما عليك الاّ أن تنفجر بكاءاً وتطرح في عالم الخيال وتصيغ بعضاً من الكلمات لعل مافيها تهدّء خلجات النفس خاصة عندما تولي أدبارك الصحراء فتردد :-
...
قرات في عينيك يابلدي مراكب الحزن العميق.
وفى زمن السحابة الحمراء
لازلت احمل فوق طيفي المخبوء
وجعاquot; مرتعشا بين ضلوعى
عنوانه العراق
ضبابة تحمل قوافل الأوجاع
تنخر في أحشاء ها الرمح
عبثاً تهدف عواصف البكاء
في الصحراء اسير ويتبعني ظلك المجروح يابلدي
لأجلك انت صليت
ولأجلك انت وقفت ملائكة السماء تصلي
وتحكي لك قصة حبي

هكذا فجأةً أفقت من السبات العميق ورايت امامي لوحة عنوانها الضياع، الطامعون فيها والحاقدون ينهشون بك يابلادي بوحشية الذئاب المفترسة، تمنيت حينها لو لم اعرف كلمة اسمها العراق في حياتي، ولم ارى وطناquot; عشته وضمني ترابه وشربت من مياهه فترات الطفولة والصبا... ليت اجدادي الاوائل ماعاشوا هذه الارض الطاهره.. وطناّ تركته منذ أكثر من ثلاث وثلاثين عاماً، بلد الصغر والذكريات والنشأة الاولى،. هو انتمائي واصالتي وحياتي ووجداني وانفاسي التي تلتهب ناراquot; وبركاناquot; كلما ذكر اسم العراق امامي.. لهيب في ثنايا الحب، اعصاراً يوقد في القلب لضىً quot; حبك ياعراق ضمير يوقد في الصحراء جمراً

تمنيت في لحظة الحنق والغضب ان يخيّم الجهل فوق كياني..ويلف الظلام عيني حتى لايمكنني ان أميّز بين الحق والباطل.. ماذا يحاك ضدك يابلدي؟..الى اين انت متجه ياعراق.. تطوّقك اعاصير الموت المجهول.. ولازالت وراءك تختبىء اسوء توقعات المجهول.لوحة الحزن ولالم الشديد لم تكتمل بعد، الزلزال العاصف في الانتظار.قادم بعد خراب الشام بلد الحب والخضرة والجمال فما دامت بلاد الشام يتهافت عليها المارقون والحاقد ون من كل حدب وصوب فانت التوأم لها وقدرك مرهون بهذا التوأم. لتنزلق من هاوية الى اخرى..حالة من اليأس والاحباط تحوط كل مشاعري مؤامرة كونية تحاك ضدك ياعراق. من كل اعداء الله في الدين والمذهب ذنبك لان الله من عليك من الثمرات ما افتقرته باقي الدول ولان الله انعم على تربتك الطاهرة من كنوز العيش من النفط والغاز وما تتقاتل وتتامر عليها القوى الطامعة، وذنبك لأنك احتضنت علياً والحسين وذنبك لأنك ملكت الحضارة والعلوم كلها حضارة اسسها رجال منك واستمروا في العطاء حتى تغير وجه التاريخ الحديث واحتظنه زمن مريض ومنذ ان تربص على عرشه حاكم دموي أحرق الحرث والنسل وادخل البلاد في حروب حمقاء وبعده ابتلى الله العراق بثلة من الرجال جيء بهم ليحكموا وليستلموا تركة هائلةً من الخراب زادوها بوءساً وخراباً،..صادروا حقوقك ياعراق.. طيلة سنين البعد عن البلد عكسوا لنا مرآة ناصعة لصورهم تظهر الايمان والزهد والتقشف والاخلاص والنضال..و..و..و..والف الف..و..و..و.. اسفاquot; لك ياعراق.... الكل تاجروا بمحنتك وقضيتك.. ناضلوا زيفاquot; لاجل عراق حر.. هتفوا بسقوط النظام..د خلوا العراق بدبابة المحتل.

تحالفوا مع المحتل... قبلنا على مضض.. وفتشنا بين زوايا قوائم الاعذار لنغفر لهم خطيئتهم الكبرى.. خطيئة لايغفرها لهم رب السماوات والارض مهما تغيرت الظروف والاحداث.. غفرنا لهم لأن ديكتاتورية صدام لامثيل لها في تاريخ الشعوب ولان ساحة العراق حينها تخلت عنها كل ايادي العون العربي باستثناء الموقف السوري.. اختلقنا لهم عذراquot; آخر لتحالفهم مع الجانب الامريكي في تلك الظروف وامتثلنا لمقولة الطاغية صدام (أصافح الشيطان لأضرب به عدّوي ) مقولة اتضحت ان عدوا كأمريكا لايؤتمن لها مهما كبرت التنازلات خاصة امام سياسين جدد ذوي خبرة سياسية ضيقة، فالادارة الامريكية ترسم لشرق اوسط كبير او جديد يقر ء فيه السلام على حدود شرق سايكس بيكو، شرق اوسطي جديد تتوسع فيه رقعة المحتل الصهيوني، والضحية الاكثر ثمناquot; لهذا الرسم تبتدء من السيطرة على سورية والعراق لتغيير معالمهما وتشويه خارطتهما، والبداية كانت من العراق.

تحاوروا مع الادارة الامريكية وواعدونا حينها وقالوا لنا لا تقلقوا ( نحن وان تحاورنا سنبقى صادقين...رجالا نمتاز بذكاء مميز.. لاتستطيع الادارة الامريكية ان تحوك ضدنا التآمرات ولا بمقدورها ان تسرق منّا مامنّ الله على العراق من الخيرات والثروات واعدونا ان العراق ليس كأفغانستان ورجاله ليسوا كرجال طالبان ) وذكر لي احدهم بعد اجتماعه ببعض كبار الساسة الامريكان عام 2003 انه تحدث معهم حتى عن النفط العراقي وقال لهم (نستطيع ان نتفق عليه معكم بطرق الاستثمار والحصص). خيل اليّ حينها حتى و ان صحت روايته كم هو بسيط هذا الرجل الذي يطمح ان يقود العراق. انهم الان األأسياد على البلد والنفط ونحن من نتسول منهم...آمنّا بهم لانهم رفعوا شعار الدين كثيرا.لكن نسينا ان نقول لهم دعوا دينكم لكم وآحكموا بالعدل نحونا. وجوه تغيرت واسماء مختلفة كثرت خلافاتها واختلافاتها وبسبب الجهل والضعف والفساد المالي المتفشي ازدادت اوجاع هذا البلد الذبيح فبدلاquot; من سيناريو المقابر الجماعية التي تمت في السرية والظلام، في زمن فاشية البعث الصدامي، تحولت طرق الموت الان الى موت علني عشوائي جماعي تتناثر فيه اشلاء الاجساد تنفذ في وضح النهار... طالبوا بسقوط الجيش العراقي... قبلنا.... حسبناهم ابطالا سياتون بجيش آخر يحمي حدودنا من الانتهاكات والتجاوزات ونظام امني رصين يحمي البلد من كل المخاطر الخارجية القادمة صوب الشمال والجنوب والغرب والشرق لكنه تبين انه جيش معطل لا يملك السلاح ولا الدفاعات الجوية ولا الطائرات ولا الرادارات الكاشفة ولأن السلاح سرق أساساً بصفقات مليونية في روسيا و أكرانيا، المنطقة تغلي ناراّ وتنذر بحربٍ اقليمية أو عالمية والعراق مكشوف الرأس من حماية مواطنيه،،،،، قرارات واحدة تلو الاخرى.. وهرج ومرج تباع وتشترى في ميادين وأسواق النخاسة السياسية،، حرب تستعر بين شيعي وسني.. وصداميين وتكفيريين ومليشيات متعددة الاسماء وسلطة تنفيذية في خصام مع السلطة التشريعية تتناحر فيما بينها.. وسلطة قضائية تهّرب وتحمي الفاسدين والمجرمين،ا لكل ينكّل بالكل والجميع في دائرة الاتهام والتخوين ولا احد صادق في نظر الجميع دفاع معطل وآمن مخترق.. الاولى تعتقل المجرمين والثانية تفك اسرهم..امراء بالجيش والداخلية مخترقون ذباحون وسفاحون.. لاندري من يقتل من؟؟؟ نصدق من ونكذب من...؟؟ نواب مجرمون وآخرون ضعفاء لايهمهم سوى المناصب والسرقات.. مجلس برلماني أشبه ما يكون بسوق عكاظ، معطل من التشريعات تتصدره الغيابات. العراق يعيش الم الاحتضار و المفرقعات تمزق جدرانه وحتى سماءه.وانسان يكاد يقترب بعيشه الى العصور القديمة.. انسان جاوة ونياردلتال يتحرك بلا ماء ولامأوى ولاكهرباء.. ومسؤلون كبار خدعونا وخدعوا الله طيلة سنين الظلم، بضعفهم وسرقاتهم ونزاعاتهم بسببهم فتحت أبواب البلاد وسرقت أرضنا ومياهنا ونفطنا في وضح النهار صودرت حقوقنا وحقوق اولادنا،.. اولادنا الذين كثيرا ما تفاخرنا امامهم بأمجاد وحضارة بلادنا وواعدناهم خيرا به عند الرجوع وحفزناهم باستثمار ثقافاتهم لخدمته....؟؟؟؟؟..؟؟؟؟؟ حسبنا. انهم صانعي تاريخ العراق الجديد.. مهزلة كبرى.. دعونا وتضرعنا لهم بالثبات والصبر عندما دخلوا العراق.. خلال سنين الهجرة ارتفع شأنهم بأصواتنا. ونالوا المراكز والمناصب منها. باسمائهم طمحنا بالكثير.. انهم رجال العراق الجدد.. هم من سيطفؤا لهيب العراق الثائر.. هم الفاتحون والمحررون قي عصر الطغيان.. هم من سيعيدوا وجه العراق الناصع.. هم من سيفتحوا الابواب الموصدة..هم من سيزيلوا غبار الماضي.. على سواعدهم ستندمل الجراح وتتغير لوحة الحزن.. ويعاد الحق الضائع.. وتشرع قوانين العدل. وتعاد كرامة العراق. وستعاد حضارة بلاد مابين النهرين..وعلى ايديهم سيعود المهاجر قسرا الى بلده مرفوع الراس يضمه البلد بحنانه ويرتوي من ماءه.... انتضرنا سنين وسنين لنرسم الكحل على عيوننا وعيون الثكالى والارامل كما اكتحلت عيون بعض النساء في التاريخ.. وقلنا سيموت الفقر الى الابد.. وستروى الارض ماءاquot; وستعود ثروة البلاد المسروقة الى اصحابها.. وسيعود ضخ النقط الى مستوياته الطبيعية.. وستتسابق في التقدم عجلة الحضارة البابلية لتلتحق بالركب الدولي..وستستأنف معالم الحضارة مجدداquot;.. وبدخول رجال العراق الجدد.. رجال الدين والسياسة.. ستعاد انفاس حمورابي ونبوخذنصر من جديد وستهتف حضارة البابليين والسومريين والاكديين بحياة هؤلاء الرجال العظام وكأن الارض العراقية رفضت أن تنجب غيرهم.

لكن في هذا الزمن المريض سرعان ما اصطدمت الحقيقة بالواقع المرير.. واقع ساسة العراق الجدد.انهم لم يكونوا سوى وهماquot; وسرابا مرّ في تاريخ العراق في فترة ظلماء عندما اكّدوا لنا رجالا عاشوا عصور الحضارة المتألقة وبيّنوا حقيقة واحدة لنا وهي ان العراق لن ينعم في حياتة بالحق والنعيم والعدالة الاّ فترة واحدة إستثنته الطبيعة فيها وحمتة من شرور الاعداء والمستحوذين والمارقين والسراق..فترة الحضارة الخالدة في تاريخ الزمن السرمدي حضارة ماقبل التاريخ.. عندما صنعت الطبيعة للعراق رجالا طوقوا سماءه وارضه عرفاناquot;.. زمناquot;تفاخرت فيه حتى ملائكة الكون والسماء،،، تاريخ لن ينساه الزمن.. مهما كان مريضا.. ومهما تغيرت معالمه بالغدر والدجل..