منذ شهور عدة ماضية والعراق يعيش أشنع أزماته البنيوية الراهنة من تصاعد للشحن الطائفي و من عمليات تفجير إرهابي مستمرة يضاف لذلك مرض غياب الرئيس العراقي جلال طالباني عن المسرح السياسي، فمنصب الرئاسة شاغر بسبب تعرض الرئيس العراقي لجلطة دماغية حادة تسببت بها مشادة كلامية حامية مع رئيس الوزراء نوري المالكي دخل الطالباني على أثرها في غيبوبة إستدعت نقله للعلاج لألمانيا وحيث لازال يرقد هناك للعلاج، وعدم وضوح الرؤية الحقيقية لحالنه الصحية، والطالباني ( 80 ) عام وهو الأمين العام لحزب الإتحاد الوطني الكردستاني كان عنصرا ولاعبا رئيسيا في السياسة العراقية منذ ستينيات القرن الماضي ودخل في صراعات حادة مع منافسيه في الحركة الكردية وخصوصا مع الزعيم الكردي الراحل مصطفى البارزاني أو مع الأنظمة التي تعاقبت على حكم العراق، ووصوله لمنصب رئيس الجمهورية بعد إحتلال العراق و قيام العملية السياسية كان بمثابة الخاتمة لحياة سياسية مضطربة وحافلة إتسمت بالصعود و الهبوط ولكن دون إغفال حقيقة أن الطالباني يحظى بعلاقات دولية واسعة النطاق وأن حزبه ( الإتحاد الوطني الكردستاني ) هو من ضمن أحزاب الإشتراكية الدولية، وغياب الطالباني عن مسرح السياسة العراقية قد تزامن مع إشتعال العراق بأزمات دموية حادة بسبب فشل الحكومة التحاصصية الطائفية وإنفجار الأوضاع بين شطر كبير من الشعب العراقي وحكومة المالكي العاجزة إلا عن إدارة الفشل وإعادة إنتاجه وضمن متوالية حسابية دموية مرتفعه التكلفة قد تؤدي لإنفجار العراق و تشظيه بالكامل بسبب إزدياد حدة السباق نحو الحرب الطائفية التي تهيأ لها الأحزاب الطائفية ذات المرجعية الإيرانية وفي طليعتها حزب الدعوة و الميليشيات الملتفة حوله مثل جماعة عصائب أهل الحق الإرهابية، أو جيش المختار الإرهابي التابع لكتائب حزب الله الإيراني في العراق، وجميعها وغيرها أدوات يحركها نوري المالكي من أجل تحقيق أجندته في الهيمنة ومصادرة الآخرين بما فيهم حلفائه في التحالف الطائفي، الطالباني ووفقا لمؤشرات ( الجلطة ) و تطوراتها لم يعد قادرا على ممارسة سلطاته الدستورية و النهوض بأعباء منصب الرئاسة الذي يمثل رمزا توحيديا عراقيا، و نائبه الوحيد الباقي وهو ( خضير الخزاعي ) بعد تشريد و مطاردة الأستاذ طارق الهاشمي لايمكن أن يكون بديلا مقبولا للرئيس لأنه من ضمن نصف التصنيف الطائفي والحزبي لرئيس الوزراء ولكونه لايمتلك المؤهلات و الأهلية لذلك المنصب الحساس، ولم يستطع أبدا أن يملأ الفراغ الكبير، فكان طبيعيا أن تتصاعد الأصوات المطالبة في العراق بإختيار رئيس جديد و بديل بأسرع وقت ممكن ووفقا لأحكام الدستور، ولكن أحكام و أعراف عملية المحاصصة السياسيىة قد جعلت الجانب الكردي يصر على إعتبار المنصب الرئاسي ضمن الحصة الكردية!! وهذا تجني كبير على الحقائق و الوقائع و إجحاف كبير للعملية الديمقراطية المفترضة، فالعراق في البداية و النهاية بلد عربي أصيل وفاعل بغالبيته السكانية و بطبيعته و موقعه وتاريخه و ( تكريد ) منصب الرئاسة هو بمثابة مهزلة حقيقية في عراق يعيش المهازل بأردأ و أسوأ أنواعها و معانيها، فزوجة الرئيس طالباني السيدة ( هيرو إبراهيم أحمد ) باتت تطرح نفسها كخليفة لزوجها المريض حتى أنها يممت وجهها شطر ( طهران ) طلبا للمباركة الإيرانية على ما يبدو لأن تكون خليفة لزوجها في نسخة عراقية رديئة لسيناريو التوريث الرئاسي على الطريقة الإرجنتينية حينما خلفت إبفا بيرون زوجها الرئيس الشهير خوان بيرون!!، متناسين إن العراق ليس الإرجنتين! كما أن الطالباني ليس بيرون و زوجته السيدة هيرو ليست ( إيفا )!، ثم إن إختيار طهران كهدف للتشاور حول المستقبل الرئاسي في العراق يحمل بين طياته معاني إذلال وطني كبير ؟ فمنذ متى كان للإيرانيين رأي فيمن يحكم العراق؟ و كيف تطلب المشورة من نظام لايخفي سطوته و شهيته المفتوحة للهيمنة الكاملة على العراق ؟، و بعيدا عن توريث الرئاسة عائليا و عرقيا، فإن هنالك أسماء و رؤوس تتنطع للمنصب و ترى نفسها جديرة به، من أمثال رئيس الوزراء الكردي برهم صالح و حتى الرئيس الكردي مسعود بارزاني نفسه ! أي أن الأكراد يتقاتلون على منصب الرئاسة بشتى السبل لتكريس كردية الرئاسة وهو أمر خطير للغاية و مثير لكل معاني القلق و التوجس، فالمنصب عراقي شامل يمتلك جميع العراقيين المؤهلين إمكانية الترشح له بغض النظر عن أصله و جنسه و مذهبه و معتقده، فتلك هي من أبسط أبجديات الديمقراطية المعلومة، اما ما يجري اليوم في العراق من تصارع و صراع و سباق محموم نحو المناصب لايكرس الديمقراطية بل التحاصصية بمعناها اللصوصي المحض، الرئيس مريض و مقعد، ورئيس الوزراء يقال أيضا بأنه مريض!! وإن كان مرض السعار الطائفي هو الأخطر!! وكل شيء مريض، إذن فإن العراق بحاجة لمجموعة من الأطباء و الجراحين الماهرين و ليس السياسيين العاجزين لمداراة جراحه المتقيحة، ولكن من يكون رئيس العراق القادم ؟. وهل سيظل المنصب مجمدا حتى تتضح الصورة المشوشة في العراق؟ تلك هي المسألة..و المعضلة..؟
- آخر تحديث :
التعليقات