قرار المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص في مشروع قانون مجلس النواب يعفي أفراد القوات المسلحة والشرطة من أداء واجبهم الانتخابي لا يزال يتفاعل على الساحة السياسية المصرية في ظل حالة الفشل والعجز عن إدارة الدولة من قبل الرئيس الإخواني quot;محمد مرسيquot; وهو ما دفع المصريين إلى التمرد رغبة في حفظ ما تبقى من وطن يرون أنه يسير نحو الهاوية.

ورغم أن قرار المحكمة ينسجم مع صحيح القانون والدستور على اعتبار أن المبدأ الديمقراطى يقول إن افراد القوات المسلحة والشرطة هم مواطنون كاملو الأهلية، يحق لهم ممارسة حق الادلاء باصواتهم في الانتخابات، ولكن لا يحق لهم الانتماء للأحزاب السياسية أو ممارسة الدعاية الانتخابية لمصلحة طرف على حساب طرف فإن الوضع في الحالة المصرية يختلف تماما، فمصر تمر بمرحلة تحول ديمقراطي يفترض أن تتغير فيها الاوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية بما يخدم أهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011.

لكن مع الأسف نرى جماعة تستأثر بالحكم، تزرع الأتباع والأحباب من الأهل والعشيرة، وتقصي الكفاءات، ولا تفعل شيئا سوى ما تسميه quot;التمكينquot;، فتجد عديمي الموهبة والكفأة يحتلون المناصب الوزارية في كافة مؤسسات الدولة، و في الوقت نفسه يقصون الكفاءات، ويهمشون من يشكلون عقية في طريق تنفيذ مخططاتهم، لذلك لم يكن مستغربا إنزعاج حزب الحرية والعدالة من قرار الدستورية، ووصفه بأنه يمثل اقحاما للجيش من جديد في السياسة، ويؤجج الصراع داخل المؤسسة العسكرية والمؤسسات الاخرى.

ولا يمكن النظر إلى هذا التطور بمنأى عما يحدث من حملات شعبية، تدعو لسحب الثقة من الرئيس quot;محمد مرسيquot;، وقبلها ظهرت حملات شعبية ساءها ما تتعرض له مصر من تدهور اقتصادي وسياسي واجتماعي واخلاقي، فخرج ملايين المصريين يحررون توكيلات تفوض الجيش المصرى بإدارة شؤون البلاد في هذه المرحلة الانتقالية، وإعادة الهيبة لمصر، ووقف هذا التجريف الممنهج على كافة الاصعدة.

هذا الفشل الذريع لجماعة الإخوان التي تحكم مصر، وحالة السخط المتزايدة في المجتمع المصري، تربك قيادات الإخوان إلى حد دعا نائب رئيس حزب الحرية والعدالة quot;عصام العريانquot; إلى القول مخاطبا الشعب المصري quot;إن ثرتم علينا ووقفتم في طريق دعوتنا فقد إذن الله أن ندافع عن أنفسناquot; ناقلا ذلك عن مؤسس الجماعة quot;حسن البناquot;، ولا ندري أي دعوة يدعو إليها العريان وجماعته، وهل تفرغوا فعلا للدعوة إلى الله، أم تصارعوا على السلطة والدنيا ونسوا تماما أمور الدعوة، يرد على العريان زعيم تنظيم الجهاد quot;نبيل نعيمquot; ويتساءل quot;هل أتاه الله الوحيquot; ويضيف quot;إذا ارتكبت الإخوان الظلم فيجب الثورة عليها لأنها ليست جماعة معصومةquot;.

الجماعة ترفض منح أفراد الجيش حق التصويت، وهذا يرجع إلى خشيتهم من اتجاهات التصويت داخل الجيش، فهي تعتقد أن ذلك لن يكون في مصلحتهم بأي حال من الأحوال، فظهور كتلة انتخابية جديدة، قد يكون لها اثر في حسم المعارك الانتخابية، ومصر تمر بمرحلة من الاستقطاب تتسع يوما بعد يوم، إن حياد الجيش وبعده عن السياسة ضروري في هذه المرحلة الضبابية فلا دستور توافقي من قبل المصريين، ولا حاكم يحظى باحترام الجميع، ودولة لم تستطع حل مشاكل تمس أمنا القومي ناهيك عن الفشل في الداخل، دولة تتسول من اللي يسوى واللي ما يسواش وبشروط مجحفة، وبالتالي يكون تدخل الجيش فقط في حال ثورة الشعب ورغبته في رحيل مرسي وجماعته، وأيضا إذا تعرضت الدولة للانهيار الداخلي أو العدوان الخارجي.

قبل ثورة 23 يوليو 1952 كان من حق أفراد القوات المسلحة الإدلاء باصواتهم في الانتخابات وكان الجيش مخترقا من جانب التنظيمات الليبرالية واليسارية والإخوانية، وبعد الثورة كان المصريون يلتقون على هدف قومي تحت زعامة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وبعد ثورة 25 يناير 2011، يراد لمصر كلها عبر مشروع التمكين أن تدخل في بيت الطاعة لدى المرشد، فحين يوجه المرشد بالتصويت لصالح شخص معين، فعلى المصريين الاستجابة لهذا التوجه، على اعتبار أن المرشد حامي حمى الإسلام، وبالتالى فأوامره تمثل توجيهاً إلهياً قد يعرض مخالفيه لنار جهنم، هذا الخلط بين الدين والسياسة يمثل خطرا على أمن مصر القومي وليس قرار المحكمة الدستورية بحق الجيش والشرطة في التصويت، وإن كان هذا الحق ليس وقته الأن.

إعلامي مصري