احب ان أشير قبل البدء بمقالتي أنني لا انوي المدح لحكومات العهد الجديد في العراق مابعد 2003 وفي رأي انه بالرغم من ان اعباء الهجمة الشرسة على العراق كبيرة وباهضة ولايمكن ان تطيقها وتتحملها حتى أثقال الجبال، لكن مع كل ذلك لا أبرر الاخطاء الجسيمة الحاصلة من قبل من تربع على كراسي قيادة العراق بعد التغيير، لقد خيبوا الحكام الجدد بكل طوائفهم سنة وشيعة وأكراد آمال وتطلعات الشعب العراقي. لكن ذلك لا يعني ذلك انه لايحق لي ان أدافع وان أصطف مع جانب الحق.
عشر سنين مضت وحالة من الاحتقان مكبوتة عند الشعبين الأردني والعراقي بل ومنذ احتلال الكويت الشعب الأردني يقدس صدام دون مراعاة للشعور العراقي، والعراقيون بالمقابل عاشوا سنيناً عجاف لاحقتهم مطحنة القتل والموت في عهد صدام 35 عاماً وادخل شعبه في ثلاث حروب في غنى عنها وبالتالي فهو لايقوى على تحمل من لم يقدر مشاعره و معاناته وجروحه القديمه ويحاول استفزاه من قبل بعض الأردنيين قد يكونوا ضحية الإعلام المغرض وضحية أزلام النظام السابق اللذين يعشعشون من فوق ارض العاصمة عمان.
اعتبر صدام الفارس المنقذ للحلم العربي في إطلاقه صواريخ على تل أبيب بالرغم من ان هناك شكوك كبيرة حول مصداقية هذه الصواريخ وكيفية إطلاقها والبقعة التي استهدفت، فلم تكشف الأرقام الإسرائيلية حينها الى عدد القتلى ولا يوجد هناك ذكر عن الأضرار المادية التي لحقت جراء هذه الصواريخ، ففي هذه الحالة تبقى حالة الشكوك محاطة بهذه المسالة قد تقلل من أهمية الحدث.
ولايوجد أي تفسير لتلك الصواريخ الا لتحويل البوصلة العربية انذاك باتجاه كسب عواطف الرأي العربي العام حتى وان لم يكن الحدث مؤثرا فالطبيعة العربية تتأثر بالعواطف أكثر من جوهر الفعل هذا اولاً
الشيء الآخر قضية صدام ومحاكمته واستبداله. هذه القضية بالذات تعتبر قضية عراقية داخلية بحتة فمن حق أي شعب ان يختار الحاكم الذي يثق به وعندما ينحرف عن مصداقيته كرئيس لابد للشعب ان يطالب بتغييره وهي مسؤولية خاصة به وقد حصل ذلك في كل بلدان الربيع العربي، لكن بالطرق المختلفة وبإسناد ودعم من دول الخليج ودول الغرب والولايات المتحدة. أي ليس الشعب وحده كان وراء ذلك التغيير.
وإذا اردنا ان نهمل كرامة وشعور مليون شخص عراقي أوصلهم صدام الى المقابر الجماعية ولاءاً ل17صاروخ مشكك به اصلاً، فمعنى ذلك وطبقاً لهذا الولاء لبعض الاردنيين علينا ان نلغي مفهوم العدالة القضائية اجتماعياً وربانيا وبالتالي علينا أن نلغي حقيقة وجود ايات القصاص التي نصّ عليها القران الكريم.
أما مفهوم ماتتناوله بعض الصحف المغرضة إن الحاكمين الجدد في بغداد هم عملاء وهم مجوس وهم من جاءوا على متن الدبابات الامريكية فهذا الكلام يحتاج الى نقاش كبير وفيه ما يحتوي من الصح والخطء في آن واحد فمن أوصل الأمة العربية الى هذا التردي هونفسه من شن الحرب على الكويت وجلب 40 دولة للاعتداء بصواريخها على العراق ثم تحويل دول الخليج العربي الى قواعد عسكرية ضخمة وما الأعذار التي تدعي ان صدام أراد ان يوزع الأرزاق العربية لدول البترول العربي على الدول المحرومة ماهي الا أدعاءات لكلمة حق يراد بها باطل والشواهد كثيرةعلى البؤس والفقر التي كانت الكثير من المناطق العراقية تعيش في كنفه في ذلك الوقت ولو كان صدام يمتلك مثل هذه المعايير الإلهية النزيه لكان عليه من الأولى ان يحضى العراقيون قبل الغير برغد العيش وان يرتب بيته الداخلي قبل اللجوء الى استعطاف المشاعر العربية.
الشيء الآخر هناك قانون دولي يعتبر السفارات ملكاً للدولة وتمثل السفارات سيادة الدولة وهي حرة في ان تحتفل أو تؤبن أو تقيم المناسبات الخاصة بها وفي حالة السفارة العراقية وقيامها بالذكرى الخاصة للمقابر الجماعية فلا اعتقد ان هناك خدش للمشاعر الأردنية !!!! فلماذا تاثرت وانخدشت مشاعر المحامين الأردنيين المعتدى عليهم فلو كانت القضية معكوسة وان الملك حسين الاب هو من كان قد أوصل الآلاف من الاردنيين الى المقابر الجماعية وشرد الملايين واستباح بيوت الآلاف بحجة الجنسية والتبعية لإيران وهو يعلم ان هذا الادعاء هو الكذب بعينه، هجّرهم ورماهم لبلاً في صحراء الحدود ً ذنبهم فقط لأنهم شيعة، فهل من الإنصاف والمعقول ان يقف الشعب العراقي لو انعكست القضية ضد الشعب الأردني بدون أي مبرر.. ! التاريخ والضمير الإنساني وحده هو الذي سينطق عن الحق ! اعتقد ان هناك من سيجيب ان القائد صدام أحسن العمل فكل اصحاب المقابر هم مجوس او هم شيعة متعاونون مع المجوس فبالرغم هذا الادعاء باطل ويقع في دائرة محض الكذب والافتراء وتشويه السمعة لكن يبقى السؤال هل الأردنيون لهم الحق في التدخل في المناسبات التي تقيمها الدولة في سفاراتها وإذا كان الحق يسمح لهم فالأولى ان يراقبوا المناسبات التي تقيمها السفارة الاسرائيلية الذي يرفرف علمها في الارض الاردنية، وبالمناسبة ستحتضن الاردن بعد أيام قلائل اجتماع رباعي يمثل كل من أمريكا وإسرائيل والأردن وفلسطين، فهل سيعترض المدافعين عن صدام على هذا التجمع ! وهل سيخرج الأردنيون بمظاهرة احتجاج دعماً وولاءاً و نيابة عن ( المرحوم صدام ) الذي رشق اسرائيل بصواريخه المشكك بها
ام ان الاحتجاجات هي انتقائية فقط تخضع لدول دون غيرها !!!!!
لو ان مثل هذا الاجتماع لأي قضية وبحضور اسرائيل عقد او يعقد في بغداد فكيف ستكون ردود الأفعال من العرب المتربصين ! اعتقد كل الصحف الأردنية الداعمة لصدام ستتصدر صحفها بعنوان (بغداد تحتضن إسرائيل )...................
الاردن وعلى الصعيدين الدولة والشعب يعيشان الآن حالة لايحسدان عليه وحالة الترقب والغليان والفتن تسود الشارع الأردني والحدث الصغير يستغل هذه الأيام في الاردن ليتحول الى قضية تؤجج ألوضع وتصب الزيت على الشارع ولا اعتقد ان كل الأردنيين يحملون نفس مشاعر العداء للشعب العراقي، الشعب العراقي والاردني يحملان مشاعر الود والمحبة فيما بينهم وهناك تاريخ عميق له جذور متداخلة بين الشعبين، نتمنى على المخلصين من الشعب الأردني ان يقدر مشاعر العراقيين والإرهاب والتفجيرات التي ينالها الابرياء جراء عملية سياسية اساساً اقيمت على خطء و تدخلت فيها الدول الكبيرة منها والصغيرة وتعد كتحصيل حاصل لموروث بعثي صدامي احرق الاخضر واليابس ولّد مصائب لم تنجو من آثارها الامة العربية حينن من الدهر،
أكثر من أربعين عاماً والعراقيون لم يشهدوا الاستقرار والراحة وصبت عليهم المنايا من كل حدب وصوب وما من احد يشعر بانين وعمق الجراحات العراقية وما هؤلاء اللذين اشعلوا نار الفتنة النائمة مابين البلدين لايمثلون إلاّ مجموعة صغيرة سخرتها أيادي عراقية قادمة من الجهات الغربية مدفوعة الثمن ولا يستبعد ان تكون هناك أيادي خليجية تركية رسمت لهذا الموقف امتدادا للاعتصامات الحاصلة في الأنبار وغيرها وهؤلاء من لايريد حتى تنفيذ المطالب من قبل الحكومة العراقية خدمة للمشروع الصهيوني لتدمير العراق مع المخطط القطري التركي
أما ماذكرت بعض المواقع والصحف ان الاردن استقبل بمئات الآلاف العراقيين على اراضيه طلبا للامن والامان عندما انهار الامن كليا، واصبحت السيارات المفخخة هي العنوان الرئيسي
نقول نعم لكن لإيضاح هذه النقطة نقول وبحسب تقرير وزيرة الهجرة والمهجرين التي هي من التحالف الكردستاني ذكرت بالنص ( ان %40 من رؤوس الاموال في الاردن تعود للعراقيين وان اكثر المهاجرين من العراقيين هم من حوّل امواله الى بنوك اردنية فضلا ان هناك الكثير من اصحاب الشهادات والخبرات اللذين يعملون في الاردن وقد استفادت منهم الاردن وبكفاءة عالية، كما ان الوزيرة ذكرت ان معظم المهاجرين من العراقيين الى الاردن هاجروا من دول اخري ليس من العراق وهاجروا مع اموالهم وكفاءاتهم ) اذن هولاء لم يعتاشوا على المال الاردني بقدر ما حسنوا الاقتصاد الاردني، اما اللذين هاجروا بعد التغيير لعام 2003 فالكثير من هؤلاء هم من تبعة ازلام صدام حسين وهؤلاء ايضاً من هرّب الاموال العراقية الى البنوك الاردنية وهم من وراء كل القلاقل والشغب التي تحصل في الاردن
أما قضية السخاء النفطي في قضية المنح التي منحها صدام حسين للاردن فلا اعتقد كانت هبة بدون مقابل والصور التي كشفت مشاركة الملك حسين والرئيس العراقي المقبور بضرب ايران كان موقف لابد ان يقدر برد الجميل من قبل صدام كما ان اصطفاف الاردن مع صدام في غزوه للكويت يعتبر موقف آخر لابد ان يواجه بمكافئة نفطية كمنحة او بأسعارتفضيلية.
هذا وان الكثير من المصادر تشير الى ان هذه الأسعار التفضيلية لازالت مستمرة في العطاء من قبل المالكي الى الاردن وبدون منّة.
الاردن بلد صغير والعطاء الخليجي متوقف نوعاً ما والشارع الأردني يضج بالفتن والتحريض هذه الأيام من كل حدب وصوب. فهناك تركيا من تضغط على الاردن باستقبال اللاجئين السوريين ليشكلوا عباءاً اقتصادياً ثقيلاً، والحدود السورية الأردنية مفتوحة لكل الاحتمالات ومطالب السلفيين والإخوان المسلمين كلها عوامل ضغط لا يستطيع الاردن الصغير ذو الإمكانيات المحدودة. لا أظن انه قادرعلى ان يخرج منتصرا أمام هذا الكم الهائل من المشاكل اذا لم يحاول التخلص من تركة وارث صدام
ولو أضفنا مشاكل المناطق الغربية في العراق ومايترتب عليها من سلبيات على الوضع الامني والاقتصادي على الساحة الأردنية فقد تزيد على الاردن الاعباء،
فعلى العقلاء في الاردن ان يخمدوا صوت الفتنه القادمة اليهم من الحدود رفقاً بسلامة الاردن وان لاينجروا وراء ثلة من ازلام النظام السابق. لقد مات صدام واكل منه الدهر ولابد من التفكير جيدا
كما ان الحكومة العراقية من مصلحتها وهي تمر بأخطر أيامها ان تستجيب للمطالبين باستبدال السفير وكل الطاقم المعتدي من عناصر السلك الدبلوماسي الذي لايليق بهم هذا التصرف المشين حتى وان أستفزوا عن عمد.
فلا بد ان يكون الاعتذار من رئاسة الوزراء اضافة الى وزارة الخارجية حتى لايقال من بعض الاعلام المغرض ان الاكراد وحدهم من يملكون صفات الدبلوماسية المحترمة، ولاجل وأد الفتنة المقصودة ورفقاً بالعراق الممتلئ بالجراحات.
التعليقات