شعرت بمرارة وأنا أرى جنودنا المختطفين معصوبي الأعين يستغيثون بالرئيس quot;محمد مرسيquot; ووزير الدفاع الفريق quot;عبد الفتاح السيسيquot;، مشهد غريب علينا في مصر، والأشد غرابة أن يتفاوض الجيش المصري على جنود اختطفوا على أرض مصرية من قبل جماعة من الإرهابيين، أفهم أن يتفاوض الجيش أو الدولة على تحرير جنود تم اختطافهم بمعرفة جيش معاد، أما أن يتم التفاوض بهدف المقايضة بمتهمين مدانين بالقانون فهذا هو الجنون بعينه.

ما يحدث في سيناء هو نتيجة طبيعية لغياب الدولة، ومهادنة الجماعات الجهادية المنتشرة في جبل الحلال، فالجيش سبق وقدم للرئاسة خطة لتدمير هذا الجبل ورفضها مرسي، ويتحرك الجهاديون بحرية بأوامر من قيادات حماس في غزة، وباطمئنان من عدم الملاحقة، وإلا بماذا تفسر تصريحات مرسي بالحفاظ على أرواح الخاطفين، ثم نفرأ اخبارا تقول إن مرسي طلب من قيادات الإخوان وحماس التفاوض مع الخاطفين، ثم ينفي المتحدث الرئاسي وجود تفاوض مع العناصر الإجرامية، وفجأة تخرج علينا الرئاسة ببيان يقول إن كل الخيارات مفتوحة.

هكذا بدت مواقف المؤسسات الرسمية ملتبسة، فالمتحدث باسم الرئاسة quot;عمر عامرquot; يؤكد أن الرد سيكون حاسما، وأنه لا تفاوض مع الخاطفين، ونفى أنباء عن الموافقة على شن عملية عسكرية، ورئيس الوزراء quot;هشام قنديلquot; وأثناء وجوده في الغردقة أعلن أنه سيتم الإفراج عن الجنود خلال ساعات، ومجلس الشورى الذي يقوم بوظائف التشريع لحين انتخاب مجلس النواب لم يعنيه الأمر، فهو مشغول بمشروعات تخدم مصلحة الجماعة مثل قانون السلطة القضائية وغيره، ووزارة الداخلية تنعم في محراب المرشد، رغم أن ستة من أصل سبعة من الجنود ينتمون إلى قطاع الأمن المركزي.

إن ما يحدث فى سيناء لا يوجد وصف له سوى التجرؤ على الدولة الرخوة فى عهد quot;مرسىquot;، فعدم احترام quot;مرسيquot; وجماعته لأحكام القضاء، شجع الخاطفين على خطف الجنود المصريين والمطالبة بمقايضتهم بمجرمين صدرت ضدهم أحكام قضائية، كما أن فشل مرسي الذى صدع رؤوسنا بأنه سيقود بنفسه عمليات تطهير سيناء من المسلحين والإرهابيين في القصاص ممن قتلوا جنودنا الستة عشرة في رفح في رمضان الماضي، شجع الإرهابيين على لي ذراع الجيش والإقدام على هذه العمليات التي لا تخلو من دوافع سياسية تصب في مصلحة التمكين للإخوان على حساب المصالح الوطنية.

السؤال الأن هو: هل من المنطق ان تتستر الرئاسة المصرية على مرتكبي مذبحة رفح؟ ولماذا يحرص مرسي على أرواح الخاطفين أكثر من حرصه على أروح جنودنا المختطفين؟

إن عتاة المجرمين على الحدود المصرية لم يفكروا في خطف جنود أبرياء يقفون على حدود مصر للدفاع عنها، لأنه من الخسة أن تخطف جنديا يسهر على الأمن في هذه البقعة الغالية من تراب مصر، ويعرض نفسه للموت فى سبيلها، بهدف تحقيق مكاسب معينة من خصم لا تقوى على مواجهته فى العلن.

إن نقطة البداية أن يكشف رموز التيار السلفي للجهات الأمنة ما بحوزتهم من معلومات عن الجهاديين في جبل الحلال، خاصة وأنهم قاموا بالتفاوض مع تلك الجماعات من قبل، كلهم يرفعون شعارات الإسلام، والإسلام منهم بريء، لا ينطلي على عاقل أن تمارس جماعات تدعي الإسلام السلاح ضد نظام يدعي أنه إسلامي، نحن أمام عصابات، ومن الخطأ التفاوض معهم بعد أن فشلت التيارات السلفية في الحوار معهم من قبل ويخطفوا الإضواء من الإخوان، هؤلاء لا يتحركون اعتباطا، لم يجرؤ أحدهم على خطف إسرائيلي واحد رغم انتشار السياح الإسرائيليين في سيناء، كثيرا ما تحدث هؤلاء الكذّابون عن إسرائيل العدو، وأنهم يريدون أن يزيقوا من وصفوهم بأحفاد القردة والخنازير ألوان العذاب، لكنهم الان لم يجرؤوا على اختطاف إسرائيلى واحد.

هذه العملية تضع الجيش المصري على المحك، وتباطؤ الجيش فى التعامل الحاسم مع هؤلاء المجرمين، حتى ولو أدى إلى سقوط قتلى من المخطوفين، لا قدر الله، سيشكل حدثاً فارقاً فى تاريخ هذا البلد، وقد أعجبني تصريح والد أحد الجنود بأن تحرير أبنه، والعودة به جثة هامدة خير من التفاوض مع الخاطفين، لو تسامح الجيش في هذه القضية، يمكن له أن يضحي بالشعب بأكمله لمصلحة جماعة لا تعرف معنى الوطنية، ولا تفهم حرمة الوطن.
إعلامي مصري