تفجير الريحانية الاخير الذي صُنف على انه اعنف انفجار يهز تركيا منذ اندلاع الصراع في سوريا، ستكون له العديد من الانعكاسات التي يتوقع ظهورها في المستقبل القريب بفعل دور هذا الانفجار الارهابي في ازاحة الستار عن كثير من الحقائق التي اراد حزب العدالة والتنمية تغييبها عن الاتراك من اجل خداعهم بمتانة الداخل التركي وابتعاده عن الانعكاسات الارتدادية للازمة السورية التي يبدو بانها ستتحول مع الوقت الى مصدر صداع قادم لتركيا وحلفاءها سواء ابقي النظام هناك ام تمت الاطاحة به.

واحدة من التدعيات الاولية التي افرزها هذا الحدث تمثلت في امكانية تأثيره سلبا على السلم المجتمعي في تركيا عبر تحول هذه الميدنة المجاورة جغرافيا للحدود السورية الى مؤشر حقيقي للحكم على حالة التوتر العرقي التي بدات تتصاعد حدتها بين الاهالي هناك. اذ نتج عن الحادث مغادرة العديد من اللاجئيين السورين لمدينة الريحانية بعد ان تعرضوا الى العديد من المضايقات والتهديدات من قبل العديد من العوائل التركية التي تضررت من شدة ذلك التفجير، فقد اشارت بعض التقارير الى قيام القوات التركية بنقل اكثر من 600 لاجيء سوري مع عوائلهم واطفالهم من هناك باتجاهات مختلفة لتقليل الاحتكاك مع الاتراك الغاضبين من هذا الحدث.

قالت احدى السوريات المتواجدات هناك في محاولة منها للتعبير عن محنة التوتر العرقي التي شهدتها المدينة مباشرة بعد التفجير quot; لقد كان هنالك ردة فعل مباشرة ضد السوريين حتى ان غالبيتهم لم يتمكنوا من مغاردة المنازل التي وفرت لايوائهم واكتفوا بمراقبة سياراتهم وهي تدمر من قبل الاهالي الغاضبين. لقد كان هنالك العديد من الاتراك الذين فقدوا اقربائهم ممن قاموا باتهامنا مباشرة وحاولوا معاقبتنا على ذلك، لذا بقينا محاصرين في منازلنا ونحن مليئون بالرعب على حياتنا quot;.

في حين قال شخص اخر من اللاجئيين السوريين quot; اننا لم نرتكب اي جريمة ذات علاقة بالحادث الارهابي لكننا رغم ذلك نشعر باننا مهددون الان في تركيا. ان الحرب لازالت مستمرة في سوريا واليوم نحن هنا ايضا نفتقر الى الامان فالسكان المحليين لم يعودوا يرغبون برؤيتنا في مدنهم، نحن الان معرضون للخطر quot;.

لقد تم التحذير مسبقا من قبل العديد من المهتمين بان تركيا ستدفع يوما ما ضريبة سياساتها العدائية في المنطقة وبالذات منها تلك التي وجهت بشكل خاص ضد العراق وسوريا في الاونة الاخيرة، اذ ان اردوغان حاول قدر جهده الغاء هذه الاراء التي صدرت من الداخل التركي ومن خارجه منددة بتلك السياسات ومعبرة عن حقيقة تلك المخاوف في ادراك منها لطبيعة التعقيد والتداخل في البنية السكانية التركية التي تصل عند المناطق الحدودية مع سوريا الى حد التداخل والتشابه الكبير. لذا خشي العديد من انتقال الحريق السوري بكل تفاصيله الى تركيا بفعل هذه الحتمية التي اضفاها العامل الجغرافي والسكاني معا.

ان محاولة حزب العدالة والتنمية العمل على نقل السوريين من ريحانلي الى مدن تركية اخرى لتقليل التوتر، لا يعبر الا عن قصر نظر جديد في المعالجات التركية للازمة السورية وتداعياتها في الداخل التركي، على اعتبار ان هذه الخطوة لا يمكن لها في الحقيقة ان تعمل على انهاء ازمة التوتر العرقي في مثل هذه المدن بقدر ما ستسمح بتأجيل انفجار هذا التوتر الى فترة قادمة تحكمها طبيعة الاحداث والتطورات التي سيشهدها الملف السوري. لذا ليس مستغربا ان نسمع بقيام اردوغان بمحاولة الضغط على الادارة الامريكية في اجتماعه الاخير بها، من اجل اقناعها بفكرة المنطقة العازلة في الاراضي السورية لتخليص تركيا من ازمة اللاجئيين السوريين التي باتت مصدر قلق يومي مضاف لتركيا، وهي ايضا ستكون خطوة غير عملية لانهاء ماترتب على السياسات التركية من انعكاسات سلبية في هذا الصدد.

ما يغيب عن اذهان اردوغان وفريق عمله في ظل التركيز على هدف الاطاحة بالنظام السوري، هو ان التوتر الذي حدث في ميدنة الريحانية قد يتحول في الفترة اللاحقة الى توتر من نوع اخر بين الاتراك انفسهم في ظل امكانية انقساهم على اسس عرقية بين مؤيد واخر معارض لمثل ردود الفعل تلك التي شهدتها الريحانلية بعد التفجير مباشرة. وهو سيناريو يهدد باشعال حرب داخلية في تركيا ستقوض كثيرا من اسس السلم المجتمعي فيها بطريقة تظهر للجميع حجم الضعف الداخلي الذي ستعاني منه العديد من المدن التركية في ظل امكانية انتقال مشاهد العنف والتوتر العرقي التي شهدتها العديد من المدن العراقية والسورية الى مثلايتها في تركيا.

يبقى امام المرء ضرورة الاشارة الى ان ردة الفعل التي ابداها العديد من المواطنين الاتراك انما جاءت بالاساس ضد حلفاء انقرة الجدد المنتشرون بكثرة في هذه المدينة وفي غيرها من المناطق الحدودية مع سوريا. فعلى الرغم من ان اغلب التوصيفات التي اطلقت على الاماكن التي استقُبل فيها مئات اللاجئين السوريين على انها مخيمات للاجئيين لا غير، نجد بان الحقيقة تشير الى عكس ذلك تماما اذ تحولت الكثير من تلك المخيمات الى قواعد مباشرة لجبهة النصرة تدير من خلالها العمليات العسكرية في سوريا، فضلا عن قيامها باستغلال محنة اللجوء للسوريين من اجل استخدام اكبر عدد ممكن من ابنائهم في القتال الدائر هناك، ناهيك عن ما يمارس في هذه المخيمات من عمليات اغتصاب باسم quot; نكاح الجهاد quot;. وهي بالاساس تفاصيل يدرك سكان مدينة الريحانية وغيرهم من المدن التركية حقيقتها اكثر من غيرهم، لذا وجدنا ردة الفعل تلك التي اتخذت اطارا عاماً يصعب فيه التمييز بين البريء والمجرم ممن ينتمي الى تلك الجماعات الاسلامية المتطرفة التي يبدو انها هي الاخرى تشارك الحكومة التركية في اخذ اللاجئيين السوريين كرهائن للمساومة على الالامهم ومصيبتهم في ظل هذه الحرب الطاحنة.

في هذه الصدد قالت الكاتبة التركية Tulin Daloglu quot; اعرف من خلال زياراتي المتعددة الى المنطقة بهدف اعداد التقارير الصحفية، بان هنالك العديد من الاشخاص الذين يستقرون هناك وهم في العادة يذهبون للقتال الى سوريا لعدة ايام قبل ان يعودوا مجددا الى هذه المخيمات من اجل التمتع بقسط من الراحة او من اجل الحصول على الرعاية الطبية. في مثل هذه الحالة يمكن القول بان هذه الاماكن لا تنطبق عليها بالتاكيد المعايير الدولية لمايعرف بمخيمات اللاجئيين quot;. وهو مايوضح بعدا اخر من ابعاد التوتر العرقي الذي حصل في هذه المدينة على انه نوع من العقاب لاردوغان الذي حول هذه المناطق الى ثكنات عسكرية والى ملاذات آمنة للتنظيمات الاسلامية المتطرفة التي يتجمع فيها كل ارهابيي العالم على مختلف جنسياتهم وتوجهاتهم التي يغلب عليها طابع العنف واراقة الدماء وممارسة سياسة التمييز العرقي والمذهبي على غرار تلك السياسات التي طبقوها في المناطق التي نشطوا فيها بالامس في العراق وسوريا، وقادت فيما بعد الى انقسام المجتمع بطريقة مرعبة.

يخشى الكثير من المراقبين ان تكون التفجيرات المتزامنة التي حصلت في الريحانية وما اعقبها من توترات عرقية بداية لمزيد من الاضطراب في تركيا، خاصة وان هنالك مدن كبيرة ومهمة مثل هاتاي quot; الاسكندرون quot; تتميز بتنوع سكانها من جهة وبمعارضتها للسياسات التي اتبعها اردوغان في سوريا من جهة اخرى. الامر الذي يجعل من مثل هذه المدن نقاط ضعف مهمة لن يقوى اردوغان على مواجهة ازمة التوتر السكاني فيها في ظل تنامي التوقعات التي تشير الى ان تفجير الريحانية لن يكون الاخير في تركيا، وفي ظل استمرار القادة الاتراك بانكار الاثر السلبي لسياساتهم في اثارة مثل هذا الخطر. يكفي هنا الاشارة الى ما قاله السيد احمد داوود اوغلو في رده على التوتر العرقي في الريحانية وبالطريقة التي تظهر انكار حكومته لخطر امتداد الحريق السوري الى بلاده حيث قال quot; ان اؤلئك الذين يريدون القول بان التفجير في الريحانية قد نفذ من قبل اللاجئيين السوريين وبأن الحكومة التركية قد نفذت سياسات خاطئة ضد سوريا، انما يرتكبون جريمة بحق الانسانية quot;.

يبدو ان تركيا في ظل هذه العقلية مقبلة على المزيد من المفاجآت غير السارة التي سيتكرر فيها مشهد نقل القوات النظامية التركية الى المدن المختلفة بهدف ضبط الامن المجتمعي للحد من التوتر العرقي فيها في تكرار لما حدث في مدينة الريحانية التي قيل عن الاوضاع فيها فيما بعد الانفجار مايأتي quot; لقد تحولت الشوارع المليئة بالدمار في مدينة الريحانية الواقعة في اقليم هاتاي quot; الاسكندرون quot; الى مكان لتجمع المتظاهرين الغاضبين المنددين باللاجئيين السوريين. لذا فقد توجهت قوات الشرطة التركية لتنتشر في تلك الاجزاء بعد ان تم نقلها من البلدات المجاورة لتقف امام البنايات التي يسكنها غالبية من اؤلئك اللاجئيين quot;.

كاتب واكاديمي عراقي
[email protected]