أتعرفون إلى ماذا نحتاج في العراق؟ نعم، نحتاج إلى تغيير الوجوه السياسية التي تطل علينا يوميا ً من على شاشات التلفزيون. يتحدثون كثيرا ً ويفعلون قليلا ً، تتشابه بزاتهم وأربطتهم الأنيقة بألوانها الباهتة التي تخلو من الذوق، تتشابه وجوههم بتعابيرها، أتعرفون لماذا؟ لأنهم وببساطة كلهم يكذبون فترى تقاسيم وجوههم تتشابه بقسوتها وامتداداتها، منتفخة أوداجهم من أثر الوجبة الدسمة التي يتناولها أحدهم قبل البدأ في البرنامج. أن سياسيينا يشبهون لاعبو منتخبنا الوطني لكرة القدم، فتمر سنين عديدة لترى وجه جديد على الساحة، وهم يشبهون أيضا ً رجال الدين وشيوخ العشائر الذين لاتتغير ملامحهم ولامناصبهم ولامنابرهم. أنهم يشبهون أيضا ً ممثلينا الكوميدين باطلالتهم في شهر رمضان، حيث تجد الممثل الواحد على أغلب القنوات الفضائية ولاتدري متى وكيف يؤدي كل تلك الأدوار بوقت قصير. سأقول لكم شيئا ً، عندما يطل سياسي ما على شاشة التلفزيون فأني أعرف ماذا يقول، وماذا سيقول من تعابير وجهه مع أن صوت التلفزيون على الوضع الصامت، فهم أشبه بالممثل الكوميدي عادل أمام، فمع حبي لطريقة تمثيل هذا الفنان ولكثرة وتكرار مشاهدتي لأفلامه صرت أتوقع حركاته قبل حدوثها، بالضبط هذا مايحدث لي عندما أشاهد سياسي عراقي بربطة عنقه وبزته الباهتة اللون، فأني أعرف مايقول هذا السياسي. هل نحن فعلا ً بحاجة للتغير؟
يدور الحديث هذه الأيام عن بديل محتمل لسيادة الرئيس جلال طالباني شافاه الله. السيدة هيرو إبراهيم، عقيلة السيد الطالباني، هي أحدى المرشحات لهذا المنصب الرفيع. فبالرغم من أن لاصلاحيات كبيرة يتمتع بها رئيس الجمهورية فأن هذا المنصب يمثل وجه العراق السياسي في الداخل وفي الخارج. أنا من أشد المؤيدين بأن تتولى السيدة هيرو إبراهيم منصب رئيس جمهورية العراق بدل زوجها الرئيس الحالي جلال طالباني، ليس لتغيير تلك الوجوه التي تحدثت عنها والتي تذكرنا بإطلالة الرئيس العراقي الراحل على قناة تسعة وسبعة التلفزيونيتين، ولكن لتغيير وجه العراق الثقافي أيضا ً.
أتتذكرون حينما غير النظام العراقي السابق عنوان الدولة من الجمهورية العراقية إلى جمهورية العراق! لقد أراد النظام السابق بذلك أن يقول بأن العراق ذكر وليس أنثى، فللذكر مثل حظ الأنثيين، والذكر قوي ومنتج وفاعل، أما المرأة فناقصة دين وعقل وحظ، وهي ضعيفة بحاجة للحماية دائما ً، وهي بالتأكيد بحاجة لمن يقودها فهي غير أهل للقيادة. نعم، هذا ما أراد أن يقوله النظام السابق، فتلك النظرة الأصولية والدونية للأنثى وتمييزها عن الرجل هي تنبع من أعماق الثقافة الذكورية التي يتصف بها مجتمعنا. ولكن، هل كان لكل ذلك علاقة بتهدور الوضع السياسي والثقافي والاقتصادي للعراق أبان تلك الحقبة، في رأيي نعم. ثقافتنا الذكورية جزء لايتجزء من مشكلتنا السياسية التي نعاني منها حتى هذا اليوم. ذهب النظام السابق وأتى النظام الحالي الذي لايفرق بين الرجل والمرأة في الدستور، ولكن، ماذا يوجد في أرض الواقع. سأقول لكم، تطورت الثقافة الذكورية لتتلبس بلباس الدين وتلتف بالقدسية بحيث من الصعوبة المساس بها. فقد أندمجت الثقافة العشائرية الذكورية مع المبادئ الدينية لتكون حصنا ً منيعا ً يحتمي خلفه الظلاميون الذين يكروهون النور ويتشدقون برجولتهم وفحولتهم التي وهبها الله لهم كما يزعمون. أن الثقافة الذكورية هي لاتعني بالضرورة هيمنة الذكر على الأنثى، بل هيمنة الفكر الذكوري الذي يؤمن بالقوة وبالرجولة والشرف والكرامة من وجهة نظر القوي المتسلط ويلسقها بأفعال الرجال، فيمكن للمرءة أن تحمل فكرا ً ذكوريا ً كأغلب سياسياتنا، ويمكن للرجل أن يكون ضحية للمجتمع الذكوري عندما تقمعه السلطة بكل ما أوتيت من قوة ومن شرف ورجولة مزعومة!
أذن، تغيير وجه العراق السياسي والثقافي مايمكن أن تفعله السيدة هيرو إبراهيم، فضلا ً من كونها كردية فهي امرأة ونحن بأمس الحاجة لامرأة أن تتولى منصبا ً رفيعا ً في العراق. بالتأكيد سوف لن يكون الأمر سهلا ً مع وجود رجال الدين الذين لايرضى شرفهم أن تتولى امرأة منصب رئيس الجمهورية، ففي عرفهم القول السائد...لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة... وهم لايعلمون أن مارغريت تاتجر قد غيرت وجه بريطانيا نحو الليبرالية وأن رئيسة البرازيل امرأة والمستشارة الالمانية امرأة. أما شيوخ العشائر فسيعترضون لأن فحولتهم لاترضى بأن تتولى امرأة شؤونهم وهم يتباهون بشورابهم التي يقف عليها الصقر، فالشرف والرجولة عندهم شوارب لايحلقها صاحبها. إلى السيدة هيرو، سيكون شرفا ً للعراق أن تكوني رئيسة له، ليس لكونكي مناضلة قديمة وزوجة للرئيس الحالي، بل لكونك أمرأة وكردية، فأنتي بذلك ستمثلين وجه العراق الجديد الذي يحترم الأقليات ولايعتبر المرأة عورة يجب علينا إخفائها!
- آخر تحديث :
التعليقات