لاشك أن دراسة علاقة المرجعيات الدينية الشيعية والسياسة فيها تعقيدات كثيرة وخبايا متعددة خصوصا والصراحة تواجه ظاهرة حماس بعض التقليديين عاطفيا نحو المرجعية دفاعا عنها فى جميع الأحوال، مانعا النقد والتحليل من خلال العواطف فى التقديس والغلو وكأن المرجع معصوم غير قابل للخطأ أوالسهو أو الهفوة.. أو التقاليد البالية البائسة التى حدثنى البعض ب (منع نشر غسيلنا أمام الآخرين خصوصا النواصب) لتحويل المرجع إلى معصوم مطلق. فسألته (من هم النواصب؟)، فقال لى (هم السنة كما سمعه فى الحسينية) فأخبرته أنها التشيع الفارسى الصفوى، فالنواصب هم من يبغض الإمام على بن أبى طالب ويكفّره كالخوارج الذين كفّروا عليا ثم قتلوه وليس السنة الذين يحترمونه كخليفة راشد وصحابى كبير جليل متميز ذى مناقب كثيرة رائعة حيث امتلئت كتبهم بذلك وكتب عنه شخصيات السنة مثل أصحاب الصحاح والسنن والسيوطى وابن الجوزى والخوارزمى والطبرى وعباس محمود العقاد وخالد محمد خالد وأحمد أمين وطه حسين وعائشة عبد الرحمن وغيرهم
هناك نوعان من المرجعيات فى العراق الأول مرجعيات فارسية كلاسيكية ليس لها وعى اجتماعى ولا تدخل فى الجانب السياسى عادة وقد يعتبرونها من مختصات الإمام المهدى المنتظر انتظارا لدولته التى تأتى فى آخر الأزمان وترتفع عندها التقية فى مجاراة السنة. وفى ذلك روايات كثيرة موجودة فى مصادر الحديث والروايات الشيعية فى أكثر من أربعين حديثا عن الإمامين الباقر والصادق فى انتظار المهدى وإلا فسوف يكون الفساد أكبر والضرر على الشيعة أعظم وأكبر وكل راية قبل المهدى فصاحبها طاغوت وحتى صلاة الجمعة لاتجوز فى عصر الغيبة لأنها من مختصات الإمام المعصوم العادل
كذلك لاتجد للمرجعيات الفارسية الكلاسيكية كتب أو أبحاث أو ثقافة بل مجرد الأبحاث الحوزوية الكلاسيكية كالفقه والأصول والرجال وهى أبحاث كلاسيكية استغرق القدماء فى بحثها. اشتهر أبو القاسم الخوئى (1988-1992) بدورة فى علم الرجال لكنها تمتلئ بالأخطاء العلمية الكثيرة حتى تراجع عن بعضها مثل توثيق رجال كتاب كامل الزيارات حيث تبين له أن أكثرهم ضعاف ومجهولون ومدلّسون يصعب توثيقهم hellip; ولا تجد لهم أبحاثا فى جوانب أخرى وهو ماحصل للخوئى والسيستانى وأمثالهما من المرجعيات الفارسية المسيطرة على النجف فى عراقنا الجريح والمنكوب
القسم الثانى من المرجعيات هى مرجعيات عربية غير فارسية تؤمن بالعمل السياسى والإجتماعى ومواكبة حركة المجتمع واحتياجاته ويظهر ذلك فى بغداد مدينة التعايش والتزاوج والمحبة بين السنة والشيعة ومنها منطقة الكاظمية ببغداد حيث ظهرت مرجعيات آل الحيدرى وشبر وآل ياسين والخالصى والصدر وغيرها من المرجعيات العربية. أخيرا مثلا محمد باقر الصدر (1935-1980) حيث كتب فى السياسة والإجتماع والإقتصاد والفلسفة والإستقراء وتصدى فى مجلة أضواء إلى كتابة مقالات سياسية جريئة وإصداره الفتاوى السياسية ضد حزب البعث الحاكم ورعايته المباشرة لمختلف النشاطات الإجتماعية والسياسية الكثيرة ثم تلميذه محمد محمد صادق الصدر (1943-1999) الذى قاد صلاة الجمعة فى الكوفة ووكلاؤه فى المناطق الأخرى وتصديه المعهود لمختلف النشاطات واللقاءات الإجتماعية والسياسية
لم يعهد للخوئى (فارسى من مدينة خوء الإيرانية) تصديه للنشاطات الإجتماعية والسياسية ولا كتاب واحد عن السياسة أو الإقتصاد أو الإجتماع أو الإدارة أو غيرها. فاجأته ما سمى بالإنتفاضة الشعبانية الشيعية بعد انسحاب القوات العراقية من الكويت عام 1990 حيث سقطت محافظات كثيرة فى الجنوب، وحصلت انتهاكات كثيرة للشعب وقتل كبير للشيعة وبعد سيطرة النظام يخرج لنا التلفزيون الرسمى لقاء الخوئى مع صدام حسين فى قصره. وفيها العجب العجاب الذى يتجنب الفرس وأتباعهم من الحديث عنه بحجة التقية والتورية وأمثالها مما يطرح فى الثقافة الفارسية المهيمنة لتخدير الشيعة واستغلالهم من مليارات الخمس وغيره
ظهر الخوئى لأول مرة وهو يتلكأ فى اللغة العربية لأنه لايهتم بلغة القرآن الكريم (كالسيستانى وأمثاله من الفرس الذين يعيشون لسنين طويلة فى العراق) حتى دروسهم الكلاسيكية للبحث الخارج فى النجف هى باللغة الفارسية وليست العربية واستعلائهم على العرب واضح لمن خالجهم وعاش محنتهم
ولو جئنا إلى الأفغان مثلا فإن لغتهم توازى الفارسية فى علاقتها باللغة العربية لكنا نجد كبارهم من العلماء والشخصيات يتعلمون العربية ويعشقون الحديث بها لأنها لغة القرآن والأحاديث والتراث الإسلامى بينما عنصرية الفرس تجعلهم رغم استفادتهم القصوى من العرب وأخماسهم وكونهم فى النجف لكنهم قد يستنكفون الحديث بجملة عربية فصيحة واحدة رغم عيشهم لأكثر من 60 عاما فى العراق، ولو كانوا باقين فى إيران لم يحظوا بتلك السلطة والسطوة والأخماس التى حصلوا عليها من العرب والنجف فالفرس يستفيدون أقصى الإستفادات من النجف والعراق والعرب لكن خدماتهم لاتظهر فى العراق بل مؤسساتهم وخدماتهم فى إيران وما أكثر مؤسسات الخوئى والسيستانى فى المدن الإيرانية من البيوت والمستشفيات والمراكز وغيرها كثير
رأينا الخوئى فى لقائه مع صدام، بصحته الجيدة يمتدح صدام كثيرا جدا ويدعو لصدام بالعمر المديد والصحة قائلا (أسأل الله تبارك وتعالى أن يسدّد خطاك وأن يحفظك من شر الدنيا والآخرة وأحمد الله على نعمته وأرجو أن يديم نعمته عليك فى الدنيا والآخرة وكثير أشكرك..) وأدعيته الكثيرة بل والإنتصار على المنتفضين من شيعته hellip;
تحدث الخوئى عن سيارتيه المرسيدس التى خربها الغوغاء (المنتفضين الشيعة) وهكذا توازى هموم الخوئى الشخصية لا الطائفة فهو قد اهتم بحاشيته خصوصا أولاده وبعض تلاميذه الفرس الذين يطلب لهم الإقامة الرسمية من النظام. كان الخوئى يدخن السيكائر (روثمان) الغالية بشكل كثير ومستمر جدا حيث كان مدمنا على التدخين
هذا وغيره الكثير جدا مما جعل الكثير من الشيعة العرب يتركون تقليده وهم يرون مرجعية عربية كانت ترفض السيارات والمليارات من الأخماس والأبهات وتهتم بهموم الفقراء والمعوزين
علما أن الشيعة كانوا لسنين طويلة إخباريين يحرمون التقليد والإجتهاد حيث قال الإمام جعفر الصادق (من قلّد فى دينه فقد هلك) كما شرحتُهُ فى أبحاثى السابقة فى تطور الفكر الشيعى
مات الخوئى عام 1992 لكنه ترك لأولاده ومتعلقيه ثروات هائلة جدا من الأخماس تظهر فى مؤسسات الخؤئى وملكياتها كإمبراطورية جبارة لأرحامه وأولاده بعيدة عن الورع والتقوى وتحمل عنصرية واضحة ضد العرب
إستطاع عباس الخوئى نجل الخوئى أن يتكلم بالتفصيل والأرقام فى الكاظمية عن تاريخهم من الهند ثم الفساد المالى والأخلاقى الذى تعيشه مرجعية والده الخوئى وكيف وصل للمرجعية وتسقيط المرجعيات العربية الجيدة وتحدث عن عمّه الذى صار من المسيحيين بسبب الفساد الداخلى الكبير ووصول غير المسلمين إلى قمة المرجعية الشيعية والقذارة فى وصولهم وارتباطاتهم العالمية الخارجية ثم تحدث عن حاشية الخوئى من الأولاد والأرحام والمليارات من الأخماس لجيوبهم الشخصية بعيدا عن حقوق الشيعة ومطالبهم وواقعهم وادعاء الكثير منهم السيادة ونسبتهم إلى شجرة الرسول كذبا وزورا
كتب محمد باقر الصدر (1935-1980) فى آخر حياته (المرجعية الرشيدة والصالحة) حيث نقد المرجعية الفاسدة الفارسية المعاصرة له وطرح نظاما لتحويلها من فردية فاسدة إلى مؤسسة كالفاتيكان تقريبا فيها تهذيب للخمس والحواشى والإستفادة حيث قامت حاشية الخوئى وأولاده بقيادة حملة شديدة لتسقيطه وتسميته بالسطل والوهابى والعميل حتى وزّعوا الحلوى عند شهادته 1980مع أخته بنت الهدى فى الكاظمية ببغداد. كانت بغداد تعيش المرجعيات العربية والتعايش والمحبة مع السنة بل التزاوج معهم فى جميع الأسر العربية المعروفة وهو ما نحتاجه أمام السطوة الفارسية للتشيع وحرفه عن مبادئ الإسلام فى الأخوة والمحبة والتسامح.
التعليقات