انتخابات رئاسة الجمهورية في إيران في حزيران يونيو المقبل، باتت تشکل عبئا ثقيلا جدا على نظام الملالي و لم يعد مجرد لعبة عادية کالتي کانوا يفعلونها طوال العقود الثلاثة المنصرمة، بل وانها بنظر أکثر المراقبين و المختصين بالشأن الايراني بمثابة قضية قد تحدد مستقبل و مصير نظام ولاية الفقيه برمته.

بروز الاختلافات في وجهات النظر و المواقف بشأن تلك الانتخابات بشکل يتسم بطابع عدائي يميل للقسوة و التعنيف، يعطي إنطباعا بخصوص أهمية و حساسية هذه الانتخابات و کونها بمثابة المرکب الذي سيحمل النظام فيه الى الضفة الاخرى في حال نجاحها او إنها ستأخذ معها النظام برمته الى مجاهيل الفناء و النسيان. التصريحات و المواقف المختلفة و التضاربة بين رموز النظام ولاسيما بين خامنئي و رفسنجاني و أحمدي نجاد و غيرهم، تثبت بأن هناك أکثر من جديد تحت الشمس في إيران حزيران القادم.

مساعي رفسنجاني الحثيثة للعودة الى صدارة المشهد السياسي الايراني يأتي على خلفية توجسه و ريبته من إحتمالات المستقبل القريب المائلة الى حد کبير جدا للظلمة المفرطة، وهو يعلم جيدا بأن الغرب ليس في صدد المزاح او الانتظار على طريقةquot;کودو صاموئيل بيکيتquot;، بل انه جاد کل الجد هذه المرة ولذلك فإن رفسنجاني في صدد واحدة من مناوراته المصيرية على مستقبله الشخصي و مستقبل نظام ولاية الفقيه ذاته، وهو يحاول إستدرار عطف و إهتمام کل من الدول الغربية و الخامنئي لمناورته المصيرية هذه، وهو يرکز على أن تسويق أحمدي نجاد الى الواجهة وبالاخص عام 2009، کان بمثابة خطأ فادح للنظام و اوصلت الامور بالبلاد الى هذا المفترق الخطير.

رفسنجاني الذي يرى في أوضاع النظام الديني من الجوانب الداخلية و الخارجية و الاقتصادية بأنها متأزمة و يرى طريق الحل في حکومة وطنية شاملة، وهو يغمز من قناة جعله شريکا في قيادة النظام الى جانب خامنئي حتى يتمکن من تجاوز عقبة الغرب الکأداء عبر طرح نفسه کوجه مقبول لإجراء الاتفاقات و المسايرات و المهادنات اللازمة فيما يتعلق بالملف النووي و الحصار المفروض على النظام، لکن خامنئي و خلال أحد إجتماعاته التقليدية في 16/أبريل/2013، أکد بأنه لايرى أوضاع البلاد متأزمةquot;أي انه لايقبل بوجهة نظر رفسنجانيquot;، بمعنى انه لم يعد يثق به کالسابق، واللافت للنظر أن رفسنجاني قد لوح الى أنصاره بصدد عزمه على ترشيح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية، وهو الذي أثار خصومه من تيار خامنئي و دفعهم الى التهديد بفضحه بل وان وزير الامن مصلحي المحسوب على خامنئي قد هدده بالاقامة الجبرية حاله حال موسوي و کروبي، هذا بالاضافة الى أن رفسنجاني قد تلقى سيلا من الهجمات اللاذعة من جانب حسن شريعتمداري، علي أکبر ولايتي، محمد خامنئيquot;الاخ الاکبر لخامنئيquot;، مما يؤکد جدية تيار الخامنئي في مواجهة رفسنجاني و إقصائه من الصورة خصوصا وان هذا التيار قد بدأ هجمته بإعلان اول جلسة لمحاکمة مهدي هاشميquot;أبن رفسنجانيquot; في يوم 5/أيار/2013، وهو مايشير الى عزم هذا التيار على عدم السماح لرفسنجاني للمضي قدما بمشروعquot;الانقاذquot;الذي بعهدته للنظام.

لکن السؤال الکبير الذي يطرح نفسه بقوة هو لماذا هذا الرفض و المواجهة غير العادية ضد عملية ترشيح رفسنجاني لمنصب رئيس الجمهورية، خصوصا وانه قد کان رديفا مضادا ولکن غير قابل للإفتراق عن خامنئي طوال 8 أعوام عندما کان رئيسا للجمهورية و الخامنئي مرشدا للنظام؟ الواقع أن الاجابة على هذا السؤال الحساس تؤکد حقيقة بالغة الاهمية وهي أن هيبة الولي الفقيه قد تحطمت في عام 2009، وهي غير قابلة للمقارنة أبدا بالاعوام الماضية، والاکثر أهمية من ذلك أن خامنئي يعلم جيدا بأن الظروف الحالية للأزمة التي يعاني منها النظام قد بلغت مفترقا خطيرا جدا وان هناك أکثر من ثغرة في جدار النظام و أکثر من خلل في رکائزه وهو مايعني أن خطر السقوط محدق بالنظام، ومن هنا فإن الصورة بالغة القتامة في طهران و لاتوحي بالثقة و الاطمئنان.

الجانب الآخر من الصورة تتمثل في جناح أحمدي نجاد الذي يسعى لترشيح مشائي لمنصب رئيس الجمهورية و فرض خياره المطروح بشأن حل أزمة النظام، لکن لحد الان لايمکن التکهن بمسألة الموافقة على ترشيح مشائي او رفضه، رغم أن نجاد لن ينسحب بسهولة من ساحة المواجهة وهو يحمل في جعبته الکثير عنquot;فضائحquot;وquot;ملفات خاصةquot;ضد التيارات الاخرى مما يعني أن الامر لن يمر بهدوء و سلام. لکن، وعند العودة الى رفسنجاني و سعيه لأنتزاع موقع قيادي حساس له في هرم النظام الى جانب خامنئي نفسه، وانه وعلى الرغم من تلك الحملة الهوجاء المندلعة ضده من جانب تيار الخامنئي ذاته، غير انه على مايبدو لايکترث لذلك و يظهر أنه عازم على المضي بالطريق الذي حدده لنفسه، وفي مواجهة نجاد و رفسنجاني، فإنه ليس بالامکان الجزم بأن خامنئي يمتلك مشروعا عملياquot;على الارضquot;لضرب و تصفية و إقصاء هذين التيارين المضادين، ذلك انهquot;أي الخامنئيquot;، مازال لايرى الخطر الکبير قادم من هذين التيارين اللذين يسعيان لتجميل الوجه البشع للنظام وانما الخطر الاکبر قادم من الشارع الايراني نفسه خصوصا عندما سيندلع الحراك الشعبي موازيا لعودة جيش التحرير الوطني الى الساحة من خلال إعادة تشکيل وحداته في نقاط مختلفة من إيران، وهو مايشکل کابوسا ليس للخامنئي وحده وانما للنظام برمته ولاسيما وان النظام قد أکد مؤخرا و لأکثر من مرة و على لسان المتحدث بإسم وزارة الخارجية على مسألة دور منظمة مجاهدي خلق في إيران و طلب نظامه اجراء الحوار المباشر مع الولايات المتحدة في مقابل تحجيم و تحديد دور هذه المنظمة.

الانتخابات القادمة لمنصب رئيس الجمهورية في حزيران يونيو، يشکل أکثر من کابوس للنظام ولاسيما عندما يطل من جديد خصمهم و عدوهم اللدود مجاهدي خلق وهم يحملون أکثر من مشروع و برنامج للحل و معالجة الاوضاع المعقدة و الصعبة في إيران، والذي يزرع الرعب في قلوب قادة النظام ان منظمة مجاهدي خلق قد تمکنت و بنجاح باهر من إختراق قواعد اللعبة الدولية و فرضت نفسها کأحد أبرز مکونات المعادلة الايرانية وان الکلام او الحديث عن نظام سياسي جديد في إيران من دون منظمة مجاهدي خلق کلام و حديث سفسطائي لاطائل من ورائه، وهنا فقط يکمن هم خامنئي و نظامه و مختلف الاجنحة المتهرئة التي تحاول عبثا إصلاح ماأفسده الدهر!