لإنعدام الإنسانية على الأرض السورية، يتهالك الشعب على أمل في آفاق الدول الكبرى، الباحثة في الصراعات المتنوعة التي فاض بها الشرق، والغارقة في تقسيم المصالح، وفرض الأجندات. فكلما أخرجت هذه الدول تنبيه ما، تقوم المعارضة السورية على تفعيلها، وإثارتها، فكانت آخرها قضية الأسلحة الكيميائية. وضعتها أمريكا على أنها خط أحمر، والاوروبيون واسرائيل تخوفوا منها، وروسيا لم تعرها كثير اهتمام، فالأسلحة أسلحتها وهي تتحكم بها، عملية استخدامها درستها السلطة السورية مع أيران من كل جوانبها، بدأت بها حسب خطط معينة و أجندات خاصة:

1 ndash; في أول أستخدام لها، كانت رسالة إلى العالم الخارجي وعلى رأسها أمريكا، لتتبين مدى رد الفعل العملي، وليس الإعلامي، لديهم، ومدى جدية القول في مفهومهم للخط الاحمر. لذلك كان إستخدامها على أبعاد محددة، وفي منطقة ضيقة، وبنوعية غير عميقة التأثير، بحيث يزول الأثر على مدى أقل من ساعة، ودون أن تترك أثر على التربة أو على الأجسام البشرية.

2 ndash; في المرحلة الثانية، كانت موجهة إلى الشعب السوري والثوار بشكل مباشر، ترهيب للكل، حين يظهر الطيران، سيكون مؤشراً على وجود أسلحة كيمائية، فالذعر هو المطلب، وإيران سلطة الهلال الشيعي، ينفى عملية استخدامها من قبل السلطة السورية، لتحريك الرأي العام العالمي.

تبينت من خلال التحركات الدبلوماسية والتصريحات السياسية، للدول الكبرى وفي مقدمتهم تصريحات الرئيس الأميريكي، على أن السلطة السورية نجحت في خطتها، وكانت معرفتها بنوايا الدول المساندة للثورة دقيقة، وعلمت بإنها لن تتجاوز سوية خلق التوازن بين القوات المتصارعة، فباستخدامها للاسلحة الكيميائية أو عدمة، الوضع لن يتبدل، وسيكسب عامل الزمن، الذي تعتمد عليه السلطة منذ الشهور الأولى منذ ان حرفت الثورة السورية عن المسيرات السلمية إلى الصراع المسلح، وفي كثيره جلبت سلطة بشار الأسد لذاتها إيجابيات متنوعة، مثل ظهور التيارات المتهمة من قبل أمريكا، كجبهة النصرة ( ربيبة السلطة السورية سابقاً )وبعض التيارات التكفيرية، والذين لا يمتون إلى الثورة بشيء، رغم أنهم ينتهزونها لإسقاط السلطة، والتي بها أستطاعت السلطة وأيران وبشكل مبطن أمريكا ايضاً، أن تلقي عليهم بتهم استخدام الأسلحة الكيميائية، وحيث البنية السياسية ملائمة لدى الدول الكبرى على تقبل التهمة الموجهة لتلك التيارات بشكل ما، كما فعلها باراك أوباما، ووضع ثلاثة ( مَنْ) في لقائه الصحفي، لتبرير تصريحه حول خطه الاحمر، ويلحق به وزير دفاعه بقوله: بأن الاستعداد الكامل ووضع الخطط لا يعني بأنهم يقبلون على التنفيذ أو يجب أن تنفذ. وعلى هذا التكتيك تناوبت الدبلوماسية الأمريكية، مقابل ذلك قدمت معونات شكلية تحت رؤية روسيا، وغيرها، وبينت أمريكا على أنها ستدعم الثوار بأسلحة ليست قاتلة، رافق ذلك شبه صمت من قبل أوروبا، والكل بدورهم يسكتون على دعم روسيا وأيران للسلطة. فهم يؤكدون بهذا المنطق تأييدهم على بقاء التوازن في الصراع. قبل فترة كان الثوار يقدمون أنتصار وراء آخر، وفجأة حدث العكس، وتغيرت الموازين في عدة مناطق، ومن جديد في هذه الفترة تقدم أمريكا الدعم وتطلب من الدول المانحة بتقديم دعمها، إنها لعبة في منتهى الدونية، وتنعدم فيها القيم الإنسانية، لدى الجميع، الصديق قبل العدو، فالعدو معروف بإجرامه، أما الصديق فهو غارق في النفاق والتخاذل.

أمريكا ودول العالم يعلمون تماماً أن سوريا تملك الأسلحة الكيميائية، وهي سلطة شمولية دكتاتورية، وذات ثقافة ومفاهيم لا تختلف عن سلطة صدام حسين والبعث في العراق، الذي استخدم الأسلحة الكيميائية ببشاعة وبدون رادع إنساني وفي عدة مرات، وفيما بعد، كان الشك في بقاء هذه الأسلحة لديها، كافية لتجميع العالم كله عليه وازيل صدام وحكم البعث من العراق، واليوم في سوريا الأسلحة موجودة وبكثرة، وليس هناك تخمين، والكل يقر بذلك، وأستخدمت، والمالك هو وحده الذي يمكن أن يستخدمها، مع ذلك فأمريكا وأوروبا والبشرية ساكتة عليها، وروسيا تناور في أحتجاجاتها، وباراك أوباما لا يزال يصرح بأنه يحتاج إلى دراسات ميدانية، للتأكد، علما أن طالب مدرسة اعدادية يعلم أن قدرات أمريكا والناتو كافية للتأكد من العملية بساعات وليست بأيام، لكن الإختلاف بين بشار الأسد المحظوظ، وصدام المقبور، هو في نوعية الحكومة الموجودة في أمريكا، الآن يحكمها ليبراليون من الحزب الديمقراطي، المرعوبين من المواطن الأميريكي، على خلفيتي الإقتصاد المتدهور، وحربي العراق وافغانستان، وفي مقدمة ذلك إستراتيجيتهم التي تعتمد على تحفيز الإقتصاد الوطني في الداخل عن طريق تفعيل الشركات الأميريكة العالمية بالسيطرة الإقتصادية. أما في عهد صدام كان يسيطر على الحكم أشد المتطرفين المحافظين في الحزب الجمهوري، واسترتيجيتهم تعتمد على تحفيز الإقتصاد الداخلي بحراك خارجي، حتى ولو استدعى ذلك حروب اقليمية، وتحريك القوى العسكرية جزء من تحفيز الإقتصاد الوطني، بحركتها تتحرك شركات عديدة في العالم. وعليه فالثورة السورية الأن في خضم صراع دبلوماسي سياسي، قد تستمر، وتتلاحق فيها الحوارات، إلى الدرجة التي سيستمرون في محاولة خلق تلاحم بين السلطة والثورة بشكل ما، علماً أن هذا المنطق اصبح في حالة العدم، على الأقل لدى الثوار في الداخل، كما ويعلمون أن الجزء الأكبر من الثورة الأن غارق في صراع مذهبي شيعي ndash; سني بأقذر أبعادها، والقادم سيكون أعتم من الحاضر، حتى مع زوال السلطة، فالثارات لن تنعدم في حينها، فالحوار والحل السلمي حالتان ملغيتان، فلا خيار إلا برحيل السلطة المالكة للاسلحة الكيمائية، مستخدمها أو عدمه، ومعظم الذين يتحملون هذه الجريمة بحق سوريا شعباً ووطناً، هم القوى الكبرى، وعلى رأسهم أمريكا وروسيا، علماً أن المجرمين المباشرين هما السلطة السورية وأئمة ولاية الفقيه.

لذلك فالضجة الإعلامية حول الأسلحة الكيميائية، كانت خطة مفتعلة في الأروقة الدبلوماسية، خلقتها الدول الكبرى، وساندتها السلطة السورية عند استخدامها، بشكل بسيط، وغير واضح المعالم، فاستفادت منها بعد أن أدركت الأبعاد. شاركت فيها روسيا وأمريكا، بغطاء دبلوماسي، وبتحريكهم للمعارضة لتفعيلها دون سند بين العالم. فالضجة السياسية مع تضخيم الخط الأحمر الأميريكي، تندرج ضمن الخطط العديدة المتتالية التي أدخلوا الثورة فيها، بدءً من جلسات الجامعة العربية المتكررة، ووفودها، وفيما بعد جلسات مجلس الأمن، ومبعوثي الأمم المتحدة، إلى أن وصلوا إلى الأخضر الإبراهيمي، ومن ثم صرخة الحوار مع السلطة، والتي حمل عبؤها السيد أحمد الخطيب من منطق وطني نزيه، واليوم وبعد خمود الإبراهيمي وجمود مشروع الحوار، برز إلى السطح قضية الأسلحة الكيميائية والخط الأحمر الأمريكي، والذي لا يختلف لون هذا الخط عن لون الأخضر السابق، والمتوقع هو منطقتي حظر جوي في شمال وجنوب سوريا، وعملية صواريخ الباتريوت التي تطالب بها الأردن كما فعلتها تركيا، فهي فكرة أميريكية وبإتفاق روسي، لحماية المنطقة المتوقعة فعلها في الجنوب، وعليه نرى الصراع المميت في هاتين المنطقتين، إلى جانب المنطقة الوسطى والتي يتهافت عليها مجموعات الهلال الشيعي لخلق البعد العلوي في تكوين الدولة المأمولة بين سوريا ولبنان، وذلك بالحصول على أوسع منطقة جغرافية ممكنة، والتي أدت إلى فتح أبواب الأهوال فيها. واعتماداً على هذه الفترات الزمنية المتتالية، أستطاعت السلطة السورية أن تتجاوز كل القيم الإنسانية، وعلى مرأى العالم وصمتهم، كما وأغرقت الوطن في حوض من الدماء، وكرد فعل مذهبي، والمسافة الزمنية، ظهرت التيارات المتطرفة بكل اشكالها، ومنها تيارات أفرزتها السلطة نفسها ضمن الثوار وبطرق متنوعة. وعليه فليس أمام الثورة السورية سوى الخيار الوحيد، وهو الإعتماد على الذات والشعب السوري، وبعض الجهات الدولية التي تلتقي ومصالحها مع مصالح الثورة، لخلاص الوطن من عصابات الإجرام، وشبيحة الشيعة الداعمين لسلطة بشار الأسد.

الولايات المتحدة الأميريكية

[email protected]