استكمالاً للمقالة التي كتبتها سابقاً والرؤية التي طرحتها عن الطائفية في مجتمعاتنا واستفحالها وتفتيت المجتمع والوطن.. أعود وأتقاسم معكم هذه الفكرة والموضوع الذي أصبح الشغل الشاغل لشعوبنا ومجتمعاتنا التي تتمزق في كل لحظة تمر، وهي تبحث عن لقمة الخبز، والملاذ الآمن، عن سقف يؤوي شتاتهم، ويحميهم من رشقات الرصاص الكثيفة والقذائف العمياء المتساقطة المميتة، ومن التفجيرات المجرمة الإرهابية، والقناصين الذين يثيرون الذعر في شوارع المدن الجريحة، وأزير الرصاص الذي اصبح صداه يرن في أذن كل مواطن، والأطفال المتشردين الذين يلعبون بفوارغ الرصاص والقذائف، ونساء أصبحن سلعة تباع وتشترى بأرخص الأسعار بطريقة أشبه quot; بسوق النخاسة quot;، في مخيمات العارو المذلة.. عن ماذا نتكلم وحرائر البلد يغتصبن، وأبناءه يقتلون ويذبحون، ولم يبقى هناك وطن، وفي كل مكان انتشر الألم..

أليس هذا كله بسبب الطائفية المميتة التي يتمسكون بها، ويتمسك بها كل فرد في مجتمعاتنا؟..

إن الطائفية في مجتمعاتنا العربية ليست وليدة اليوم، ولا البارحة، ولم تظهر في عهد quot; الربيع العربي quot; بل ورثونا إياها أجدادنا منذ قرون طويلة جداً، ولكن كلٌ على طريقته وباسلوبه، ولن أدخل في تفاصيلها اليوم فالجميع يعرفها.. إن عدم نضوج هذا المجتمع وقلة الوعي والتخلف الذي أوصلوا إليه الشعوب لعب دوراً أساسياً في دفع الطوائف للانطواء على نفسها والتموضع في خندق الطائفية، وعدم امتلاك الوعي الكافي وضعها في اتون الصراعات الاجتماعية والاقتصادية الطائفية والمذهبية بدل دفعها للانصهار في بوتقة المواطنة والوطنية..

ولكن من حجّم الوعي عند الشعب العربي؟.. ومن أوصل الشارع العربي إلى الضياع والتخبط؟

كان لرجال الدين تأثيراً سلبياً واضحاً على المجتمع، وتحجيم عقول المواطنين، باستعمالهم الدين أداة للسيطرة على الشعوب في مجتمعاتنا المحافظة، بدل استعمال قدسية الاديان لنشر المحبة والسلام والمواطنة، وأقصد هنا جميع رجال الدين بدون استثناء، فهم وباء المجتمعات العربية من رجال دين مسيحيين إلى رجال دين مسلمين وغيرهم من ممثلي الأديان والإثنيات في منطقتنا، فلم يعمل أحد منهم من أجل الوطن، ولا حتى من أجل الدين نفسه، بل عمل كل شخص فيهم حسب أجندات خارجية معينة لها مصلحة في إبقاء الشعوب في أدنى درجات التخلف على جميع الأصعدة، أسرياً، إجتماعياً، سياسياً، اقتصادياً، فكرياً، إنسانياً وغيرها وغيرها... ومنهم من عمل حسب أجندات طائفية أو فئوية أوعائلية أو شخصية، لا تهتم للمصلحة العامة ولا تأبه لمصلحة الشعوب، ولا يعني لهم معنى الوطن والدولة بشيء، ولم يأتي هذا عن عبث، بل كان كل هذا بعلمهم وبتخطيط منهم.. ولن أخوض في هذا الموضوع أيضاً، لأنه بحاجة إلى عمليات بحث ودراسة مفصلة عن كل شخصية دينية بمفردها، ومن طرف آخر الصورة الشاملة واضحة لكل متابع..

أما بما يخص الشق الثاني، سنتكلم عن الأنظمة الشمولية وتوابعها، التي كانت لها طريقتها الخاصة بالتعامل مع الظروف المفروضة مسبقاً، وقلب الموازين والأمور كلها لمصلحتهم والاستفادة من الأمر الواقع، والتخلف المفروض على الشعوب، وزاد ذلك الطين بلة، فجائت هذه الأنظمة لتستعمل كل هذه الأوراق وتلعب على جميع الأوتار بدراية ودراسة معمقة لخلفية مجتمعاتنا واستعداديتها لتقبل هذه الأمور، ولأن مجتمعاتنا ومع الاسف تعتبر من المجتمعات المسيرة التي لا تملك القدر الكافي من الوعي الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لاتخاذ قراراتها باستقلالية والنهوض بشعوبها إلى أدنى مستوى من الرقي والحضارة.. استعملت هذه الأنظمة الشمولية التي هي بالاساس مسيرة من قوى خارجية أو طائفية أو فئوية، رجال الدين والسياسيين.. رجال الدين المسيرين من قبل السياسين، والعكس صحيح أيضاً، ومن هم في مراكز القرار في الطوائف، وبعض الأفراد من المجتمع ذوي النفوس المريضة الذين يعملون على نشر الكراهية والحقد واضعاف وتقسيم المجتمع وخلق ظروف وعوامل تساعد على زرع الفتن الطائفية في هذه المجتمعات ذات القابلية والجاهزية الكبيرة والمؤسسة أصلاً على الطائفية الدفينة الخامدة، لتبقى منفردة بالسلطة، والتعمد على تغييب البرامج التوعوية والفكرية التي تسعى إلى تطوير المجتمع وتعمل على ترسيخ وتعزيز منهج الوسطية والاعتدال ما بين أطياف المجتمع الواحد أو حتى مع مجتمعات أخرى مختلفة، خلق مجتمعاً يتخبط يغوص ويغرق في جهله.. فبقدر جهل المجتمع وتخلفه بقدر ضمان واستمرار الحاكم في سدة حكمه..

إذن الأسباب كثيرة، وهذه الأسباب هي من أهم الأسباب الرئيسية والأساسية لإشعال النار وزيادة حدة الفتنة الطائفية الخامدة لإشعار آخر..

في جميع الاحوال أصبحت الطائفية تجارة من نوعية فريدة، كانت حصراً على مجتمعاتنا، بينما اليوم أصبحت تجارة حصرية غربية بمفاهيم وعقول عربية، تدر عليهم أموالاً طائلة.. المادة عربية، ووقودها عربي، والمستهلك عربي، يعني بالعربي المشرمح، صنع في عربستان، والبائع والشاري عربي.. ومن المستفيد؟؟.. سؤال يطرح نفسه..

إن عوامل وأسباب انهيار القيم في المجتمع متعددة، ومنها غياب الاحترام وانعدام الثقة بين أفراد المجتمع، وعدم تقبل الآخر، عدم تقبل الاختلاف والسعي إلى الخلاف، غياب العدالة الإجتماعية والعمل على تحقيق مكاسب شخصية أو طائفية بعيدة عن مفهوم الدولة والوطن والمواطنة، انعدام مفهوم الإنسانية، واتباع منهج العنف كوسيلة لإيصال فكرة أو وجهة نظر وفرض سيطرة أحادية الطرف، والكثير من الأسباب المتعددة الأخرى التي تحتاج إلى مقالات ودراسات علمية اكاديمية لشرحها...

نريد دولة تحمل شعار القانون والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والسياسية والدولة المدنية، لها قاعدة اقتصادية قوية وصلبة قادرة على النهوض بشعبها، لا نريد دولة طائفية ولا حرب أهلية ولا دولة مقسمة، نريد دولة في مصاف الدول المتقدمة دولة تفتح زراعيها لكل مواطنيها ومن كل الاطياف والمكونات من الداخل إلى الخارج، نريد المشاركة في بناء هذه الدولة لا في تدميرها...

وإلا!!... إن القادم أعظم، ومن منظوري المتواضع مع أني أُعتبر شخصاً متفائلاً بشكل عام، ولكن في هذا الشأن أبدوا متشائماً وجداً، وأعتقد أن الحرب الطائفية لم تبدأ بعد، فإن بدأت ستحرق كل شيء من حولها، كل شيء، وأتمنى أن أكون مخطئاً...

فعندما يقتل الأخ أخاه ويدمر المواطن وطنه...عندها ينهار(( كل شيء)) ولا يبقى سوى الرماد...

quot; رحم الله امرئ عرف قدر نفسه، فوقف عنده.. وما هلك امرؤ عرف قدره quot;.

[email protected]